قبل ثورة الشعب السوداني في 19 ديسمبر 2018 والتي أطاحت بالرئيس السابق عمر البشير، لم يكن المشهد السياسي في السودان معقداً لأي حصيف في فهم الهيمنة الإخوانية والصراع الحزبي على السلطة بالخطابات الرنانة على المنابر وسطوة عصا الاستبداد على أرض الواقع. فالسودان عاشت عقوداً طويلة تحت هيمنة استبدادية إخوانية متكلسة، مما خلّف تراجعاً كبير في التنمية والازدهار، وخلَق سياسة طاردة لأي تقدم ومؤصِّلةً لسياسة العزلة خارجياً، وللفقر وضعف الموارد والتنمية داخلياً.
وبعد مداولات سياسية بين أميركا والسودان وإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن بلاده سترفع اسم السودان من لائحة الإرهاب، علّق رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك قائلاً: نحن عائدون إلى خارطة المجتمع الدولي مالياً واقتصادياً، والشعب السوداني لم يكن في يوم من الأيام راعياً أو داعياً للإرهاب. وهذا في واقع الأمر تصريح يتفق عليه الجميع في المنطقة العربية. فالشعب السوداني من أكثر الشعوب العربية رقياً وثقافة وحباً للسلام والتزاماً به، بينما جاء تصنيف السودان دولة راعية للإرهاب عطفاً على عهد الرئيس المخلوع عمر البشير حول مسؤوليته عن تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في عام 1998، واللذين راح ضحيتهما أكثر من 200 شخص، وإلزام السودان بدفع تعويضات مادية لذوي الضحايا بعد أن أصدرت المحكمة الأميركية العليا في واشنطن حكماً يقضي بأن يدفع السودان تعويضات تأديبية تصل إلى 335 مليون دولار لذوي ضحايا التفجير اللذين نفذهما تنظيم «القاعدة». وقد واجه السودان الاتهام بإمداد التنظيم وزعيمه آنذاك (ابن لادن) بالدعم المادي والتقني لتنفيذ العمليتين.
وحولت حكومة عبدالله حمدوك يوم الأثنين الماضي التعويضات المطلوبة لضحايا تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، من أجل إزالة اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وهي تنتظر صدور تشريع من الكونغرس الأميركي لضمان تدفق المدفوعات لذوي ضحايا تفجيري السفارتين وعائلاتهم، مما يعد تطوراً وتقدماً كبيرين أمام السودان للعودة إلى الحضن الدولي بعد عزلة طويلة وتاريخ مليء بالأحداث الإرهابية التي لا تتفق مع واقع الشعب السوداني ولا تاريخه الناصع المشرِّف.
وتحمل حكومة حمدوك تركة ثقيلة وإرث عقود طويلة من الفساد والكساد وحرباً لا زالت قائمة من فلول المخلوع عمر البشير، وتحديات داخلية وخارجية تحاول دول الخليج ممثلة بالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، تخفيفها وإعادة السودان إلى سابق عهده كدولة كبيرة مؤثرة في محيطها الإقليمي والعالمي تحت قيادة نزيهة تسعى للنماء والاندماج في المجتمع الدولي والسعي للسلام في محيطها القريب والبعيد رغم فواتير الإرهاب التي لازالت تدفعها بسبب مواقف البشير الداعمة للإرهاب، كفاتورة التعويضات لعائلات 17 بحاراً أميركياً قُتلوا عندما استهدف تنظيم «القاعدة» سفينتهم المدمِّرة «يو إس إس كول» بميناء في اليمن عام 2000. فلكل طاغية فاتورة، وعلى كل نزيه تسديدها مقابل شعب آمن ووطن مستقر وفاتورة التطهر من «الإخوان» ضخمة لا تقبل إلا التسديد وليس الخضوع، كما يروج أعداء السلام وفلول «الإخوان»!