بعد استقالة حكومة حسان دياب قبل شهر، تريّث رئيس الجمهورية لأسبوعين إلى أن ارتأى تعيين استشاراتٍ للنواب من أجل اختيار رئيس جديد للحكومة. وعندما تكاثرت المطالبات على الرئيس باعتبار أن تريُّثه مخالفٌ للدستور، وبخاصة أن البلاد بحاجةٍ إلى حكومة، أي حكومة، حدَّد تاريخ الاستشارات بيوم الخميس في 15/10/2020. إنما مساء الأربعاء في 14/10/2020 عمد رئيس الجمهورية إلى تأجيل الاستشارات من أجل تكليف شخص بتأليف حكومة الإنقاذ أو حكومة المهمة، كما سماها الرئيس الفرنسي ماكرون! ولا استشارات، يعني لا حكومة! فكيف حدث الأمر؟ ولماذا؟
منذ تحديد موعد للاستشارات أقدم الرئيس سعد الحريري على ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة باعتباره رئيس أكبر كتلةٍ سنيةٍ في البرلمان. إنما الطريف أنه ترشّح في مقابلةٍ تلفزيونيةٍ وليس عن طريق التشاور مع الكُتَل النيابية التي من المفروض أن تمضي إلى القصر الجمهوري وقد قرّرت مَن ترشّح للتكليف بترؤس حكومة الإنقاذ. الحريري يقول إنه اختار هذه الطريقة للترشح لأن الحكومة التي يراد تأليفها ليست حكومةً سياسيةً كالعادة، بل إنه ملتزمٌ بالمواصفات التي حدَّدها الرئيس الفرنسي وهي: حكومة اختصاصيين مستقلّين غير سياسيين: تُجري إصلاحات جذرية في الإدارة والمال، وتفتح المجال لحوارٍ مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على مساعدات، ويعينها الرئيس الفرنسي بمؤتمرٍ في باريس آخر شهر نوفمبر لإعادة إعمار المرفأ وما تهدّم من بيروت في انفجار 4 أغسطس الماضي. 
وبعد المقابلة التلفزيونية الطويلة، والتي انتقد فيها الحريري كل الأحزاب السياسية باعتبارها ما كانت أمينةً للتعهد الذي قطعته على نفسها أمام الرئيس الفرنسي في مطلع شهر سبتمبر عندما زار لبنان للمرة الثانية ليعرض المساعدة في مقابل تشكيل «حكومة مهمة»، زار المرشَّح رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب، وأطلعهما على ترشحه، والتزامه بالمبادرة الفرنسية. أما الأحزاب السياسية الأُخرى، ومنها حزب الرئيس، «التيار الوطني الحر»، فإنه لم يزُرْها ويطلب دعمها بنفسه بل أرسل نواباً من كتلته على رأسهم عمته بهية الحريري، النائب عن مدينة صيدا. وليد جنبلاط غضب لتهميشه كما قال، ورفض استقبال الوفد. أما الدكتور جعجع فاستقبل الوفد ثم أعلن أنه لن يرشّح الحريري في الاستشارات كما لن يرشح أحداً غيره(!) 
وعلى أي حال، أجّل رئيس الجمهورية الاستشارات لمدة أسبوع، فسكت سعد الحريري حتى الآن، أما رئيس مجلس النواب نبيه بري فانزعج انزعاجاً شديداً وقال كما قال الرئيس السنيورة إنّ رئيس الجمهورية يخالف الدستور مرةً ثانية وثالثة. حجة الرئيس الضمنية أنه ما دام «التيار الوطني الحر» و«حزب القوات اللبنانية» اللذان يمتلكان الأكثرية بين النواب المسيحيين، ضد تكليف الحريري، فإنه لو حصل على التكليف، لا يكون ميثاقياً باعتبار عدم مشاركة المسيحيين مشاركةً وازنةً في تشكيل الحكومة! فما هي الحقيقة إذن؟ 
الإعلامي والخبير السياسي نوفل ضو قال إنّ الرئيس «عون» وصهره استشعرا توافق الثنائي (الإيراني) والحريري وفرنجية وجنبلاط على إقصاء «باسيل» عن رئاسة الجمهورية، فقررا تأجيل الاستشارات، وليكن ما يكون!
قد لا تكون التفاصيل مهمة إلا في فهم دوافع السياسيين. أما الحقيقة الفاقعة فهي أن الطبقة السياسية مصرّةٌ على تخييب اللبنانيين، بالإصرار على استمرار حكومات المحاصصة وسط الانهيارات المتلاحقة، وإفلاس الدولة والشعب. وقد قال حاكم المصرف المركزي قبل شهر، إن المصرف لن يكون قادراً على دعم الدواء والغذاء ووقود السيارات بعد نهاية العام، لنفاد مخزونه من العملات الصعبة! لذلك، وأياً تكن أسباب الرئيس، يصح هنا ما قاله الدكتور صالح المشنوق: هو تحالف الميليشيا والمافيا الذي يسيطر في لبنان ولا شيء غيره. لا حول ولا قوة إلاّ بالله. 

*أستاذ الدراسات الإسلامية -الجامعة اللبنانية