الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«اليولة».. فن البهجة

«اليولة».. فن البهجة
17 أكتوبر 2020 00:31

نوف الموسى

«المشي» هو الحركة اللافتة الأولى لمؤدي فن «اليولة» في الإمارات، والذي يطلق عليه «اليويل»، يحرك أقدامه بخفة وتوازن يتبع فيه حس الإيقاع في شلة فن «الحربية» أو فن «العيالة»، ويستمر في الدخول إلى فضاء الاحتفال ممسكاً بسلاحه، مشكلاً حالة من الثبات والرصانة في العلاقة الثنائية بين المؤدي والأداة، قديماً كانت اللحظة التي تجمع «اليويل» بسلاحه، سواء بندقية أو سيف، هي تعبير لتاريخية الحدث الاحتفالي، بمثابة تجسيد لانتصار بعد حرب، أو مشاركة في مناسبات اجتماعية أبرزها الأعراس، لتتعمق التجربة في تفاصيل المحاكاة الشعبية لحياة الآباء والأجداد، وتتولد الأسئلة حول التحول البديع لشعور «الفخر» لدى المؤدي بالسلاح في فن اليولة، إلى منحى يؤسس اتصالا حسيّا، يضفي متعة بصرية للمتلقي، ويؤسس أداءً فنياً قادرا على صناعة البهجة من خلال الفرجة الجماهيرية، وهو بذلك يخلق شكلاً مسرحياً تحضر فيه جوقة موسيقية باستخدام الصوت في أداء الشلات، ترسم فيه الكلمة عبر القصيدة روح الذائقة الفنية لدى المؤدي، وفي أحيان كثيرة تساهم في إثراء شعور الحماسة لتطوير شكل الأداء، خاصة أن الشلة قد تحتمل جّل المكونات للتجربة الشعورية المكونة لفن اليولة، منها: «الغزل»، و«الفخر»، و«المدح».

بطولة فزاع
«الاتحاد الأسبوعي»، التقى بالشباب الذين شاركوا في «بطولة فزاع لليولة»، لاستشفاف الرؤية المعرفية حول تجربتهم الخاصة في ممارسة فن اليولة، وكيف كانت لحظات التأثر بالجيل السابق، وهل الأداء الفني من خلال الفنون الشعبية، يلعب دوراً في تأسيس شخصية الفرد وعلاقته بالمكان، وكيف ساهموا كشباب ممارسين لفن «اليولة» في إثراء حضوره، مع الحفاظ على أساسياته المتأصلة في الموروث، فبالنظر إلى فن «اليولة»، هناك متغيرات بين الماضي والحاضر، في العناصر المُشكلة للفن، منها إضافة الإيقاع «الطبول»، إلى جانب حضور الأغنية الحديثة بآلاتها المختلفة، التي قد تكون في بعض المناسبات تسجيليه. وتغير نوع السلاح، فالمستخدم في ممارسة فن «اليولة» في الوقت الحالي يتم تفصيله، وليس سلاحاً فعلياً، وجميعها محاور لفتح أفق النقاش لأبعاد المرحلة المقبلة والجديدة من إعادة اكتشاف موروث الفنون الشعبية في الإمارات، برؤية شبابها.

تدريب الناشئة
مسلم العامري، ممارس لفن اليولة، ومن الشباب الذي شاركوا في بطولة فزاع لليولة، ومروا بتجربة تدريب الناشئة، وصولاً إلى اختياره عضوا في لجنة تحكيم البطولة، واللافت أن مسلم مختص في مجال فني أنشطة، ومعني بشكل أساسي بصياغة سيناريوهات للمسابقات التراثية، يسرد لـ «الاتحاد» أن البداية كانت من تلك اللحظة التي شاهد فيها والده يؤدي فن اليولة عندما كان صغيراً، قائلاً: «الأمر يبدو لك في البداية هواية، شيئا تحب تمارسه، خاصة أنك تنظر إلى سلاحك، بأنه عزك وفخرك، شيئا يجب أن تحافظ عليه، قبل شهرة المسابقات التراثية، كانت هناك الأعراس، هي الفضاء التنافسي الأهم، ففي منطقة العين، حيث ولدت، كان يصلني شعور التفرد، الذي يشعر به المؤدي لفن اليولة، كنت أرى ثبات السلاح، والتمكن الذي يبديه الأشخاص وهم يؤدون، وجميعها تصب في الشخصية، وتعكس معنى الرزانة، وكذلك مقدرتك على تذوق اللحن».

يوضح العامري أن فن اليولة، أساساً، هو تعبير عن الفرح، أما فيما يتعلق بمسألة تغير الأداة المستخدمة عن ما كان في السابق، فإن السلاح الذي تم تفصيله في الوقت الحالي أخف وزناً، وسهل الاستخدام، وإمكانية تحكم المؤدي فيه أكثر، بل إن طبيعة الحركات مع الأداء، أصبح فيها إبداع أكبر، فهي نقطة تحسب لازدهار فن اليولة. وأضاف أنه عند تأمل الفن عموماً، فهو يقوم على بديهة المؤدي ومهارته التفاعلية مع محيطه، فمثلاً عند لحظة رمي السلاح، لنا أن نتخيل مدى التركيز الذي يعيشه المؤدي للتأهب والاستعداد لاستلام السلاح، وهو شكل أدائي بديع لإبراز الشخصية بشكلها الفني الإبداعي.
في ظل التساؤلات الدائمة، حول الأدوار الجوهرية للحفاظ على التراث، يؤكد العامري أن الارتكاز على مفاهيم البحث والرجوع إلى المصادر التاريخية، سواء الرواة أو الكتب أو التجربة والممارسة، تعد لبنة أساسية لأي مشروع مرتبط بالموروث، من مثل المسابقات التراثية، فبالإطلاع على الزخم الذي تحفل به دولة الإمارات من مختلف المناطق، سواء البرية والبحرية والزراعية والجبلية، فإن تصميم مشاريع لإثراء فنونها الشعبية يحتاج إلى إدراك مسألة مهمة، وهي إعطاء كل مختص وباحث من كل منطقة فرصة يقدم من خلالها رؤيته ومساهمته في تصميم تلك المسابقات، لأنها ستكون متكاملة بشكل أفضل، وقائمة عن وعي.

دعم مستمر
خليفة بن سبعين، ممارس لفن اليولة، وشارك ضمن لجنة تحكيم «بطولة فزاع لليولة»، أشار إلى بداياته في التدرب على فن اليولة، باستخدام السلاح الحقيقي، قائلاً: «أتذكر كيف تقطعت يدي»، وذلك لأن البندقية الحقيقية ثقيلة مقارنة بالتي تم تفصيلها فيما بعد، ولكنه يعتبرها ساهمت في تعليمهم الأصول الأساسية للممارسة، وتقديم أداء فني أفضل فيما بعد، وذكر ابن سبعين كيف أن إعطاء الثقة للشباب، وهو الدور الذي لعبه مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، ساهم في إثراء حضور فن اليولة في الإمارات، إلى جانب الدعم المستمر، والذي يتناول جميع الجوانب المؤثرة في شخصية الشباب، فأنت بمشاركتك وانضمامك لحياة ممارسي فن اليولة، تتعامل مع مشاعر عديدة وتتجاوزها، من مثل مشاعر الإرباك والخوف، خاصة في البدايات، وأمام كم جماهيري ونقل تلفزيوني.

فن «اليولة»، بحسب ما أطلعنا خليفة، يحتاج لحب من المؤدي، وليس لمجرد الممارسة العابرة، فهو يستدعي تدريبا والتزاما، وذكر ابن سبعين أن هناك نقطة مهمة تتعلق بذائقة المؤدي، وبالأخص المحترف، لطبيعة اللحن وأثر كلمات الشلة على أدائه بشكل عام، وهنا يُطرح السؤال حول علاقة المؤدي لفن اليولة بالشعر، باعتبار الكلمة هي المحرك الدفين للشعور لدى ممارسي فن اليولة، يجيب خليفة: «أن تعي تماماً ماهية القصيدة، والمعنى من شطر البيت الواحد، فهو طريق لك في كيفية تقديم حركة جميلة مرتبطة بالأداء الحركي لمؤدي فن اليولة».

مجتمعات متذوقة للفنون الشعبية 
راشد حارب الخاصوني، حاز على أول لقب لـ «بطولة فزاع لليولة» في سنتها الأولى كبرنامج تلفزيوني في عام 2006، يشرح كيف أثرت عليه المشاركة، من خلال الانفتاح على مستوى جماهيري كبير، أسس لديه قدرة عالية على التفاعل مع المحيط بمختلف الاهتمامات، خاصة أن شهرة فن اليولة، تجاوزت المحيط المحلي، نحو العديد من الدول العربية، إلا أن السؤال الأهم في هذه المرحلة: كيف تخلق تلك الفضاءات استمرارية لتجربة الفنون الشعبية، أمام المتغيرات الجذرية في أسلوب حياة الفرد، ولفت الخاصوني إلى أن إدخال فن «اليولة»، كونه رياضة ثقافية وتراثية، ساهم في جذب الشباب على نطاق واسع، وبالمرور على السنوات الطويلة التي اشتغل عليها مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، وبمتابعة مباشرة من عبدالله بن دلموك الرئيس التنفيذي لمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، يمكن ملاحظة كيف ظل التركيز على التعليم والمعرفة من خلال بناء مجموعات من الصغار والناشئة، ما يؤهل لتحضير مجتمعات متذوقة للفنون الشعبية في المجتمع المحلي ككل.

وأضاف الخاصوني، أهداف مهمة حققها الاهتمام المستمر بفن اليولة، والتي قد تكون غير مرئية بشكل مباشر للمتلقي، من مثل اهتمام أولياء الأمور بمشاركة أبنائهم لتعلم الفن، وهم لا يقصدون لحظتها الفن بحد ذاته، قدر اهتمامهم بأن يحتك أبناؤهم بتفاصيل الموروث، فالاهتمام يصب في طبيعة الفضاء الذي توفره الفنون الشعبية، والذي يبني في داخل الأبناء فهما واعيا بهويتهم، ومن ثم ممارسته وتجربته بأشكال فنية متعددة. وقال الخاصوني حول ذلك: «الفنون الشعبية بطبيعتها فيها أصالة تساهم في إحداث فعل الاتصال بين الأجيال المتعاقبة، وهذا ما حدث معي، عندما كنت صغير وبدأت أشاهد والدي وأهلي يقومون بأداء الفن، بدأت من المشاهدة، ومن ثم بناء شعور الحب للفن، وصولاً إلى حالة الممارسة الكاملة، والسعي كذلك إلى إبرازها بشكل أفضل».
فيما يتعلق بالمعايير التي نتفق عليها، سواء في المسابقات المعنية بفن اليولة أو المناسبات الاجتماعية والوطنية المختلفة، فإن «اليويل» يدرك أنه محاسب على «المشي» الصحيح، والمبني على الإيقاع الخاص بالفن نفسه، إضافة إلى مهارة دوران السلاح، والتي كانت تقدم في الماضي بمعدل نصف دورة، أما في الوقت الحاضر، فإنها تقدم بمعدل دورة كاملة، إلى جانب مستوى ارتفاع السلاح، والطريقة الصحيحة للاستلام، وبالأخص ثبات المؤدي بعد رمي السلاح، وأوضح الخاصوني أنه تبقى المتعة التي يحدثها «اليويل» في انسجامه الكامل مع كل تلك الأداءات الفنية، وإظهار شخصيته من خلالها، فهي جميعها حالة تعبيرية لشكل من أشكال الفرح لدى أهالي وأُناس دولة الإمارات.

التفاف استثنائي
الالتفاف الاستثنائي لفن «اليولة» في الإمارات، عبر المسابقات التراثية، أهمها «بطولة فزاع لليولة»، والتي انطلقت في عام 2003، بتوجيهات من سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، مستمرة على مدى 16 سنة متواصلة، من خلال برنامج تلفزيوني، وهو «برنامج الميدان»، ينظمه مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، ساهم في إلقاء الضوء، وبشكل مستمر، على الآليات الأساسية لتصميم مسابقات ثقافية مستدامة والتي من شأنها أن تحدث تفاعلاً مجتمعياً، يحفظ الفنون الشعبية، ليس فقط لكونها ذاكرة، وإنما تتيح فرصة لإمكانية الممارسة الأدائية للفنون الشعبية، من قبل مختلف فئات المجتمع المحلي، مروراً بالدول العربية، وصولاً إلى المشاركات العالمية.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©