أصبحت جائزة نوبل للآداب تشكل عقدة عند المثقفين العرب، وبعض من كتّاب العربية وأدبائها، حيث تظل أنظارهم مسلطة عليها مع بداية شهر أكتوبر من كل سنة، لعل وعسى تكون هناك بارقة أمل بفوز ثانٍ يعيد لهم بعضاً من التوازن، وقليلاً من الاعتراف بعد فوز الروائي نجيب محفوظ، وحتى هذا الأديب الذي يستحق هذه الجائرة العالمية، لجمال وتعدد وتنوع إنتاجه، وتوغله في تلك المحلية الصادقة، لم يخل من الحسد الثقافي، وخلط السياسي بالأدبي، عازين فوزه لأنه كان قريباً من التطبيع مع اليهود، وأنه كان محابياً، وكان فكره الفلسفي ينحو به نحو الشطط والبعد الميتافيزيقي الذي لا يعجب المتدينون ولا أصحاب الأجندات الإسلاموية، وأن المسيطر على الجائزة -كما يدعي الكثير من العرب- أنها تتبع الآلة الإعلامية والثقافية والسياسية اليهودية، ورغم ذلك تجد الكتّاب العرب والمثقفين يتسابقون إلى المؤسسات التي ترشح الأسماء في القوائم الأولية، ويبذلون كل الجهود من أجل وصول أسمائهم إلى المؤسسة العالمية، الغريب أن جوائز نوبل كثيرة، وفي مختلف المجالات والتخصصات، لكن العرب لا يهمهم منها إلا الشق الأدبي، ولا يسلط الضوء عندهم إلا على جائزة الآداب، وما أن تظهر النتيجة حتى تجدهم يهرفون بما لا يعرفون.. التحيز للآداب الأخرى، ظلم الأدباء العرب، وعدم الاعتراف بإنتاجهم، الفائز لا يستحق لأن هناك كتّاباً عرباً أهم منه، وإلى غير ذلك من التحليلات والتخرصات التي لا تهم أحداً، ولا تصل إلى المؤسسة التي تدير أمور وشؤون الجائزة، فهم كمن يؤذن في مالطا.
ولعل فوز الشاعرة الأميركية هذا العام «لويز غليك أو غلوك» حسبما ينطق هذا الاسم من أصل ألماني، والذي يعني الحظ، كان مفاجأة مثل كل عام، هذه الشاعرة المتميزة بتاريخها الأدبي حيث تُدرّس في أعرق الجامعات الأميركية الأدب الإنجليزي، وإنتاجها الشعري بدأ مبكراً، ولافتاً بصوته الجمالي والإنساني، وقد ترجمت أعمالها إلى لغات العالم، ومنها العربية، لكن قراء العربية لم يقرأوا لها، ولا يلتفت لها الكثير من المثقفين العرب، ولا يدرون عنها، ولا عن إنتاجها شيئاً، وربما لا يعترفون بها فقط لأنهم لا يعرفونها، لأن الإعلام العربي لم يركز عليها، ولا قدمها بصدق، وقد أذهلني تقرير صحفي بشأن الفائزة وعلاقتها بالمثقفين العرب، فكانت النتيجة أنهم جميعهم أقروا أنهم لا يعرفونها، وبالتالي في ذهنهم غير المدرك أنها لا تستحق مثل هذه الجائزة العالمية، غير أن هذا الأمر لا يعني للعالم شيئاً يستحق الذكر، ولا أدري ماذا قال العرب حين فاز «تشرشل» بجائزة نوبل للآداب وقتها؟ لكن بالتأكيد كان قولهم: ما دخل تشرشل بالآداب، فقط لأنهم يجهلون أن هذا السياسي البريطاني بدأ حياته أديباً وروائياً، ورغم كل ما حققه من انتصارات، وتثبيت أركان السلام، إلا أن فوزه الحقيقي كان في الجانب الأدبي الذي يحبه العرب كثيراً، ومصدر تشكيك من جانبهم، وكأن هذا القطاع والاختصاص هم رواده، وهم الأحق بالفوز به، مع احترامي وتقديري لأدونيس، هذا الشاعر الإنساني الذي يستحق تلك الجائزة منذ سنوات، لجمال مشروعه الأدبي، وهو تشريف للجائزة، لكن لو فاز بها وهذا ما أتمناه منذ سنوات، فسيظهر الكثير من العرب مثلما ظهروا لنجيب محفوظ حينها، وقالوا ما لم يقله مالك في الخمر.