الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

مراجعات من وحي «كورونا»

مراجعات من وحي «كورونا»
12 أكتوبر 2020 00:26

ما زال كوفيد- 19 يذكرنا بأن ما بعده لن يكون كما قبله، وأن آثاره سترافقنا لسنوات وعقود، وهي ليست كلها آثاراً سلبية على أي حال، إذ يُحسب لهذا الوباء أنه منح العالم فرصة لا تقدّر بثمن للتعجيل بخطوات التحول نحو مجتمع واقتصاد رقمي أكثر ملاءمة للعصر ومفاجآته. 
لقد أصبحت المعاملات الرقمية أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، سواء من حيث الخدمات الحكومية أو المعاملات التجارية، كالبيع والشراء. 
ولو عدنا بالذاكرة إلى الأيام الأولى للجائحة، سنجد أنه مع بدء الإغلاقات وإجراءات الحجر، ومع انتشار التباعد وانكفاء الناس في بيوتهم، سارعت شركات التجارة الرقمية العالمية إلى اغتنام الرياح التي هبّت بما تشتهي سفنها. 
وشيئاً فشيئاً راجت المعاملات والصفقات الرقمية، كاشفة عن مفارقة جسّدها بيت الشعر الشهير «مصائب قوم عند قوم فوائد»، إذ بقدر ما كان الوباء نعمة على الشركات الأكثر جاهزية (وهي في معظمها عالمية وعابرة للحدود)، فقد وضع العديد من الشركات الوطنية الناشئة والمتوسطة في العديد من البلدان في موقف حرج، وألقى بقسم منها إلى خارج الأسواق. 
واليوم، بينما بدأ العالم يتنفس الصعداء إثر تخفيف الإجراءات الاحترازية في معظم البلدان، تتجلى فداحة الخسائر التي تعرضت لها قطاعات اقتصادية وطنية كانت تمثّل أملاً لبلدانها في تحقيق التنمية. فقد تبيّن أن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الوضع الجديد، ربما لا تقل ضرراً عن الوباء نفسه. 
لا نضيف الكثير إذا قلنا إن التكنولوجيا الرقمية ماضية في طريقها لتغيير كل شيء. فالثورة الصناعية الرابعة في جوهرها ثورة تقنيات رقمية. لكن دول العالم اليوم بدأت تستشعر التهديد المحدق بقطاع التجزئة، الذي يمثل أحد مؤشرات العافية الاقتصادية للدول والأسواق. 
الهند مثلاً كانت من الدول التي تنبّهت للأمر مبكراً، فسارعت إلى إصدار تشريعات تحد من الأضرار على اقتصادها الوطني وشركاتها الصغيرة والمتوسطة، بسبب ما أسمته بـ«اختلال الميزان» في تجارتها الرقمية. 
دعك من الهند. الولايات المتحدة نفسها فعلتها وتشددت في وجه شركات التجارة الرقمية الآتية من الشرق وغيرها. وبريطانيا فعلتها وانكفأت تحمي شركاتها من العواصف غير المتوقعة للتجارة الرقمية. وهكذا فعلت دول أخرى عديدة. 
قد يكون هذا النوع من الإجراءات إيجابياً وقد لا يكون. هذا مبحث آخر وله خبراؤه. لكن المتفق عليه هو أن جائحة كورونا قد فرضت معطيات جديدة تتطلب مراجعات شاملة لتحصين الشركات الوطنية، سواء الصغيرة أو المتوسطة، أو حتى الكبيرة، وتعزيز دورها كدعامات للاقتصادية الوطنية. 
الاستثمار الأجنبي ضروري، ووجود شركات وطنية قوية ضروري أيضاً. والسؤال هو: كيف نحقق المعادلة الذهبية بالحفاظ على الاثنين معاً؟

* حمد المنصوري
مدير عام الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©