ما قدمه الأمير بندر بن سلطان عبر الحلقات الثلاث ليس شهادة للتاريخ أو بقصد التحضير للإعلان عن «مشروع تطبيع» مع إسرائيل كما سوف تدعيه القيادة الفلسطينية إن ْعاجلاً أو آجلاً. والجميع يتفق على أن سمو الأمير بندر ليس بالرجل الباحث عن أضواء، إلا أن رحيل سمو الأمير سعود الفيصل، طيب الله ثراه، قد يكون أحد الأسباب التي استدعت وضع هذه العُهدة في حيز الرأي العام لدواعي الضرورة التاريخية.
شيطنة القيادة الفلسطينية لم تكن أحد أهداف هذه المكاشفة، بل وَضْع الفلسطينيين أمام مسؤوليتهم التاريخية، ووجوب تصحيح مسارهم السياسي وطنياً. إلا أن التحصن بالمظلومية التاريخية، هو ما تُصر عليه القيادة الفلسطينية، وتقديم الابتزاز العاطفي مستغلة مكانة القدس، وكأن دول الخليج التي اعترفت بإسرائيل هي من أمر اللورد بلفور بإعطاء الحركة الصهيونية وعده بتحويل فلسطين إلى وطن قومي لليهود. ومن المغالطات التاريخية الكبرى التي يصر الفلسطينيون على إنكارها، ما تسبب فيه قرار مفتي القدس أمين الحسيني بالانحياز إلى النازية إبان الحرب العالمية الثانية. وذلك مثال من أمثلة كثيرة في الإصرار على الفشل وسوء قراءة التاريخ وتوظيفه في خدمة قضيتهم.

ولو أردنا اختزال الشخصية المأزومة للقيادات الفلسطينية، فإن فشلها في إدراك التحولات في ديناميكية الصراع يُعد أكبر أزماتها، ولا دليل أكبر على ذلك من توقيع معاهدات سلام مع إسرائيل حين ترفض فصائلها التحول إلى أحزاب سياسية (مدنية). ثانياً، تناسيها ضرورات التصالح مع تاريخها السياسي في كل الأردن ولبنان. أما ثالثاً، فهو تاريخ القتال الفلسطيني الفلسطيني، فهل اختلفت رصاصة التحرير عن رصاصة يُقتل بها فلسطيني فلسطينياً آخر. أما تاريخ تنكر هذه الفصائل للجميل، فإن الكويت التي احتضنت تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، هي أول من تنكر لها أبو عمار في أغسطس 1990.
ما تناساه عرفات أن المغفور له الشيخ صباح الأحمد هو من أخرجه من الأردن في طائرته الخاصة وهو يلبس زي امرأة هرباً من الأمن الأردني. 
الأسرار التي كشفها الأمير بندر بن سلطان لم تكن مفاجئة أو صادمة، لأنها عكست واقعاً بات يقيناً يسكن وجداننا بعد تاريخ من غدر هذه القيادات لدولنا بعد كل ما بذلته بدافع الواجب تجاه إنسانية قضية الإنسان الفلسطيني قبل كل أمر آخر. إلا أن الرسالة الأوجب ألا تضيع في التفاصيل العديدة، تكمن في تنبيه الأمير بندر لدولنا بضرورة تحديد أولوياتنا المستقبلية بما يتناسب وتحديات تلك المرحلة. لذلك، على الفلسطينيين الاختيار بين مسؤوليتهم تجاه أنفسهم والبقاء في مربع القضية من منظور قياداتهم التي تفتقر لرؤية واقعية.

الإشكالية الفلسطينية تكمن في تحويلها من قضية إلى أداة تكسب سياسي، ولو كان ذلك على حساب الإنسان الفلسطيني، وحتى تفاصيل معاناته وظف في ذلك. ويحضرني هنا ما كتبه د. صائب عريقات عبر حسابه على تويتر رداً على سمو الأمير بندر بن سلطان قائلاً «سأقوم بالرد ودحض كل ما تقدم به الأمير بندر فور نهاية الحلقة الثالثة». المدهش في الأمر هو إعلان إصابة الدكتور عريقات بوباء كوفيد-19 بعد ساعات من نهاية بث الحلقة الأخيرة من ملف القضية. وهنا نقول للدكتور عريقات: ليس من شيمنا التشفي في معاناة إنسانية، ولكن ليأذن لنا د.عريقات في التشكيك في سر التوقيت.
*كاتب بحريني