يمتاز قادة فلسطين بفلسفة يندر أن تحدث في التاريخ، وهي التحوير، وتحولت منظمة التحرير إلى رغبة هائلة في تطوير التطلعات، من تحرير فلسطين إلى تسيير قافلة من المكتنزين بشعارات لا صلة لها بتخليص الفلسطيني (المعتر) من نقمة الاضطهاد والفقر، هذه القافلة المحملة بكتلة ضخمة من أساليب المراوغة، والاحتيال على الحقيقة والذود عن المصالح الشخصية، والدفاع بكل ما أمكن عن طموحات ذاتية بلغت مبلغ القهر في نفس الإنسان الفلسطيني الذي يصحو صباحاً ولا يجد بنيه، ولا صاحبته التي تؤويه، ولا أمه ولا أباه.
هذه هي الطغمة التي تحكم الشعب الذي عانى الأمرين من ظلم الأقربين قبل الأبعدين. هذه هي الطغمة التي تحكمت، وطغت، وبغت، وتزمتت، وتعنتت وحولت الإنسان الفلسطيني إلى وقود نار، ولهب، وإلى معبد كهنوتي يتم من خلاله نثر البكائيات، والمرثيات، والتي أرقت الضمير العربي ولم تحل ولم تفل رباط المهزلة، إنها دوماً عقدة المرحلة، إنها ذائقة الذين يرقصون في أعقاب كل زلزلة، ويطرحون الأغاني وسيعة الأحداق، ويقولون إنها خير وسيلة للجلجلة، وهكذا، والفلسطيني لم يزل يلعق صديد أيامه السالفة، وكذلك المقبلة، لأن القادة (العظام) لا يشفي غليلهم، إلا بقاء فلسطين حبل غسيل، وحبل مشنقة، تعلق عليه ثياب الفقراء الرثة وكذلك رقابهم، وكلما صرخت ثكلى تداعت لها أصوات البلبلة ومن دون جدوى ولا حل، تبقى الفلسطينية أرملة، وثكلى، ما دامت الحلول تجرى في الغرف المغلقة، ومن خلف جدر، وكواليس معتمة، وكلما فشلت غزوة، تلتها غزوة أخرى، ولا يتعب هؤلاء من اللهاث خلف أوهام، تؤدي إلى أقسام، لأن الفلسطيني (المعتر) لا يرى سوى الدخان الرمادي، ولا يلمس سوى خيوط بالية يطلق عليها جزافاً أنها خيوط النضال، وأنها أهداب حرير تحرر فلسطين من الاحتلال.
وتمضي سفن الخديعة، وترتفع الأمواج ولما ينبعث من بين الحطام، ما يبشر بنعمة الحرية، ينبري عمالقة التعتيم، والتعقيم بغاز الكذب، فيرقصون على الجرح الفلسطيني بكل فجاجة، وسماجة، ويهرطقون، ويطقطقون، ويعلون رفضهم، وتنديدهم، وشجبهم، كسيرة حليمة وعادتها القديمة.
هؤلاء لا يريدون حل القضية الفلسطينية، إلا بطريقتهم، وهي الطريقة التي تعتمد الاستمرار في الشجب، لجذب المزيد من تخمة الجيوب، والمزيد من التمثيليات الرديئة لدور الضحية. ولو قدر الله واتخذ نتانياهو قرار الخروج من كل الأراضي الفلسطينية، وتركت الأمور للفلسطينيين بأنفسهم، فإنه سوف يحدث ما لا يصدقه العقل، فالدماء ستسيل، إلى الركب، لأن الورثة سيختلفون على من الذي له النصيب الأكبر في الكعكة.