كان تشكيل الاتحاد طموحاً رسمياً وشعبياً قاده أول رئيس للدولة الاتحادية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وإخوانه حكام الإمارات آنذاك، رحمهم الله جميعاً، الذين تكون منهم أول مجلس أعلى للاتحاد، وهم الآباء المؤسسون للاتحاد.
إن الدولة التي تأسست والقائمة حالياً يراد لها أن تكون اتحاداً خلاقاً يذهب إلى ما وراء الاتحادية التقليدية، وذلك بالتركيز على العلاقات المباشرة بين الاتحادي والمحلي والتي تتجاوز الفصل العام بينهما، والمضي قدماً لتأسيس علاقات تعاقدية بين الحكومة الاتحادية والمؤسسات الشعبية غير الحكومية القائمة على المستوى المحلي.
هذا النمط من الاتحادية الخلاقة يحتاج إلى وقتٍ لكي يتم التوصل إليه بصورته المثالية، لكن فحواها هو قيام فئات أو مؤسسات شعبية - مجتمعية ناشطة بأعمال رائدة في خدمة الدولة والمجتمع على المستوى الاتحادي، قوامها عدم التفريق بين المكونات السياسية أو بين الحالات التي يتم طرقها وفقاً لانتماءاتها.
هذه المؤسسات الشعبية - المجتمعية تقوم تحت شعارات معنية في خدمة الوطن بإغاثة منكوبي الكوارث أو تقديم الخدمة لإعانة الأسر المتعففة أو غير ذلك من الخدمات التطوعية للمواطنين على أراضي الوطن ومناطقه كافة دون تمييز بالتعاون مع الجهات الاتحادية عندما تكون المؤسسات المحلية غير قادرة على ذلك.
ومع تحقق ذلك يصبح الاتحاد خلاقاً وواعداً في عيون وأفئدة وعقول المواطنين. ويورد عدد من المهتمين بدراسة الشأن الإماراتي بأن وجود اتحاد خلاق فيها يدفع نحو تقوية الشأن الاتحادي واللحمة الوطنية، ويعالجون ذلك بأسلوب منطقي تحليلي عن طريق الاستعانة بمقولات الاتحادية بالتعاقد، التي أثبتت جدواها لدى الأمم الأخرى، وهي طريقة تستخدم لوصف الأسلوب الذي يتم من خلاله استخدام القدر الأكبر من الموارد الاتحادية التي تنفقها الدولة الاتحادية لعقد شراكات عمل وأداء وظيفي مع مؤسسات شعبية على صعيد التنمية الشاملة المستدامة، وهو أسلوب مستخدم في عدد من الاتحادات الغربية العريقة كالولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السويسري والكندي والأسترالي.
لقد أثبتت نتائج تلك الدراسات بأن وجود الاتحادات الخلاقة يسهم في وجود علاقات عمل وظيفية وطنية تصب في صالح تعضيد أي اتحاد قائم من زاوية جعل العلاقة مباشرة بين المركز الاتحادي والقواعد الشعبية المواطنة، وبأن التحول العملي من الاتحادية الدستورية الثنائية المعقودة بين الحكومة الاتحادية والمكونات المحلية إلى اتحاد تعاوني أشمل يجعل من السهل على الحكومة الاتحادية الاضطلاع العملي بعدد من الجوانب التي هي مبعدة عنها في التفسيرات الضيقة للدساتير.
لذلك فإن التحول نحو الاتحادية الخلاقة يشكل زحفاً نحو المزيد من فرص تقديم الخدمات للمواطنين في شتى أرجاء الوطن ومستوياته. الاتحادية الخلاقة تشكل صورة مصغرة من اللامركزية من زاوية أن الحكومة الاتحادية تقوم بتشغيل موظفي الخدمة المدنية التابعين لها بشكل مثالي، والوصول إلى المؤسسات المحلية شبه العمومية، وإلى مؤسسات الأعمال الخاصة للاستعانة بخدماتها، وإلى المواطنين مباشرة لإدارة وتنفيذ البرامج التي يمولها الاتحاد من موارده المالية دون المرور بالقنوات البيروقراطية الضيقة.
ومن جانب آخر، ينظر بعض الباحثين إلى الاتحادية الخلاقة بأنها شكل من ضروب اللامركزية الإدارية، وهذا طرح ليس صحيحاً على إطلاقه، فهي موضوع يتعلق إلى حد كبير بلا مركزية صنع القرار السياسي الداخلي وبكيفية إيصال الدعم المادي إلى المواطنين عند حاجتهم إلى ذلك.
وهنا يجدر الأخذ بعين الاعتبار أن المدى الصحيح الذي تصبح عنده الاتحادية خلاقة في أقصى درجاتها هو عندما تقدم الحكومة الاتحادية دعمها وخدماتها ومساعداتها إلى المستويات المحلية بشقيها الرسمي والشعبي مباشرة، فهذه الوسيلة هي التي يتم عن طريقها التشارك الفعال والخلاق في صنع السياسات المحلية بين المركز الاتحادي والأطراف المحلية، وهذا موضوع يحتاج إلى مناقشة مطولة ليس بالإمكان التعرض لها في هذا هذه العجالة، لكن تكفي الإشارة بالقول إن للاتحادية الخلاقة جوانب إيجابية تجعل من المواطنين أكثر تعلقاً بالدولة الاتحادية واستمراريتها بحيث تصبح كامنة في عقولهم وأفئدتهم لما تقدمه لهم من خدمات جليلة.
*كاتب إماراتي