جاء إعلان لجنة جائزة نوبل بمنح جائزة هذا العام في الطب، وبالتحديد في الفسيولوجيا، لثلاثة علماء، اثنين من الولايات المتحدة وواحد من بريطانيا، تقديراً لجهودهم البحثية التي أدت إلى التعرف على فيروس التهاب الكبد «سي» ليمنح هذا الاكتشاف التقدير الذي طالما استحقه. 
ولإدراك أهمية هذا الاكتشاف، يجب أن نسترجع حقيقة أن عمليات نقل الدم لإنقاذ حياة المرضى في الكثير من الحالات الحرجة، كانت حتى عقود قليلة مضت، مقامرة خطيرة. حيث كان كثيراً ما يصاب مَن يتلقون الدماء المتبرع بها بالتهاب شديد في الكبد، ظل الأطباء عاجزين لعقود عن تحديد سببه. وما قام به هؤلاء العلماء أنهم أثبتوا على عدة خطوات، استغرقت 25 عاماً، أن سبب هذا الالتهاب هو فيروس غير معروف سابقاً للطب الحديث، هو فيروس سي.
وبخلاف الثورة التي أحدثها هذا الاكتشاف في زيادة أمن وسلامة عمليات نقل الدم، والتي أصبحت منذ حينها تستخدم على نطاق واسع، كما هو الحال في حوادث السير والإصابات الخطيرة، أو ضمن روتين علاج الأمراض السرطانية، فقد فتح الباب على مصراعيه لمواجهة وعلاج واحد من أهم أمراض الصحة العامة في العصر الحديث.
فهذا الفيروس والذي يقدر عدد المصابين به حالياً بأكثر من 70 مليون شخص حول العالم، يتسبب في وفاة 400 ألف شخص سنوياً، نتيجة إصابة الكبد بالتليف ومن ثم الفشل، أو الإصابة بسرطان الكبد. ويعتقد أن 60 في المئة من حالات سرطان الكبد هي نتيجة التأخر في تشخيص وعلاج التهابات الكبد الفيروسية، بأنواعها المختلفة. وكثيراً ما لا تظهر أعراض الإصابة بتلك الفيروسات لفترة طويلة، وخلال هذه الفترة يتم تدمير خلايا الكبد ببطء وفي صمت، لتكون أول علامات وأعراض الإصابة هي أعراض وعلامات الإصابة بسرطان الكبد.
وتقدر منظمة الصحة العالمية أن الاستثمار المطلوب لتحقيق الوقاية من التهابات الكبد الفيروسية، وعلاج الممكن منها، سيرفع من تكلفة الرعاية الصحية على مستوى العالم بنسبة 1.5 في المئة، إلا أنه سيحقق عائداً كبيراً على صعيد المخرجات الصحية، من خلال خفض الوفيات العالمية بنسبة 5 في المئة، وزيادة ما يعرف بـ«سنوات الصحة»، أي السنوات التي يحياها الإنسان بصحة وعافية، بنسبة 10 في المئة.

*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية