يقال أحياناً بأن الماضي أجمل من الحاضر، أو هكذا نرى الزمن المبطن بدواخلنا، ونسمع صوته يرن في ناقوس الحياة، بل يلبسنا الماضي قيمة الوقار، فكل شيء مضى له مكانة مختلفة ربما لم نكن نشعر بها في ذواتنا حين كانت هذه الأشياء حاضرة، وكأن الحياة الماثلة تنسحب منها الجمالية وتصغر، ومهما عظمت لا ترى بالعين المجردة. ربما كون الإنسان يطمئن للحاضر كل الاطمئنان، حتى يحدث الفقد ويصدم باللحظات الجميلة، المعرضة لخدش الزمن، لتبدو صورة الحياة متحولة في لحظات هي أكثر من أن تعد أو تحصى.
فالإنسان يحمل زمنه معه، يتعاطف مع ماضيه، لذا يعود الناس إلى صورهم القديمة، ليروا ملامح الزمن فيهم، وذكرياتهم الجميلة التي لا تغيب، فهي دافعهم نحو الأحلام، رغم مئات من الصور الماثلة، والتي تشكل أيقونات ساحرة ومكونات جميلة ومطرزة بأجمل الصور الهندسية، منقطعة النظير، إلا أن الإنسان يحن لتلك الحقب التي عاشها، مثل البيوت القديمة، وأبوابها المغلقة على صمتها، والطرقات والنوافذ المطلة على الصباحات والمساءات، الحقب الزمنية، التي في وقت ما تخلى عنها، وقدمها هبة للنسيان، وحولها إلى أطلال مهجورة أو ربما طحنتها آلة الزمن، ولم تلق الاهتمام والرعاية، ولكن الإنسان يستعيد الذاكرة متأخراً وبعد فوات الأوان، ليبحث عن الرموز الحياتية والتاريخية والتراثية، ليحيلها إلى الماضي، وليتباهى بها أمام العالم.
سجال ما بين الماضي والحاضر، يستمر في ذاكرة الإنسان دون تغييب القادم، وما يشوبه من مؤشرات ربما يحذر الإنسان من المستقبل، ومن الويلات، فقصص الحياة بمجملها وفصولها لا تمر على الإنسان جزافاً، تتسلسل في الأحداث وكذلك في الأحلام، وتتفاوت في النصر والهزيمة، وفي الصعاب يدير الزمن الوقت دون أن يكون للإنسان من قرار، ليفقد جبروته وهيبته.
الزمن الماضي لا يعود مهما أوحى لنا بجماليته وخاصيته، مهما أثقلنا النفس بالعذابات نحوه، والحاضر يتدرج نحو المضي بكل تجلياته ونسيجه، فلابد أن يمضي، لابد أن نرى كل شيء بوضوح، الزمن له فلسفته الخاصة، كل شيء يضمحل ليعود من جديد، وتعود الحياة من رحم المعاناة.