بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر، على الجائحة، توسعت حدقة الأحلام، وصارت مثل جداول تنهمر على النفوس، وتصدر خريراً يوقظ الضمائر، ويدق طبول الوعي باتجاه عالم ما بعد الوباء، ومجتمع ما وراء الجائحة.
نتصور دوماً أن الجائحة ستمر، وأن ما يحدث الآن، سيصبح جزءاً من الماضي، والمهم في الأمر، ماذا أعد الناس للمستقبل القريب؟ لا شك في أن ما كان عليه الناس قبل الجائحة لن يكونوا عليه في ما بعدها، فالزلزلة الوجدانية التي نخرت في الضلوع، والجلجلة التي غاصت في النفوس لابد أن تحفرا في العقل الباطن ما هو رمادي، ولابد أن تظل صورة الوباء ماثلة أمام العقل، كأحفورة تذكر الناس بتاريخ مر من هنا، وترك أثراً غير حميد، ثم ذهب.
ولكن ولأن الإنسان هو الكائن الخيالي الوحيد في هذا العالم، فهو يظل يمارس لعبة الخيال بجودة منقطعة النظير، ويقبل على الحياة بضمير لا يسلو، ولا يخلو من الدراما الفنية، والتي يتم تصويرها في معمل فني راقٍ وجدير بصناعة أفلام ذات قيمة عالية تجعل من الإنسان وكأنه يجلس في حديقة غناء ومن حوله تحلق الطيور، وتزقزق العصافير، وتغرد البلابل، ويهدل الحمام، والنوارس في البحر تحدق في الموجة، وهي تطارد الزعانف الزاحفة بين الموجات، كأنها الحلم نفسه.
ما بعد الجائحة هناك أحلام تمر من هنا، من بين الرموش، وثنيات الأفئدة، هنا في عالم يبدأ في التشكل من جديد، من أجل حياة أوفر، وإنسانية تستعيد بياض المهج، ونقاء السرائر، وصفاء العقول.
هنا وهناك، وفي كل بقعة من العالم، تبدو الخليقة تستعيد نشاطها، وترتدي قميص الفرح، وترفل بربطة عنق زاهية، ثم تبرز في الوجود كأنها الوردة البرية، تلملم شالها، وتضع الوشاح الزهري على كتلتها الندية، وتمضي.. تمضي في الحياة مبتهجة، ومتخلصة من الشوائب المرضية، متحررة من غضون المرض وتلافيف أدوائه، ذاهبة إلى الحياة بعفوية الإنسانية، وفطرتها المؤدلجة بالشفافية.
كل إنسان على وجه البسيطة، يقول سنعود، وسوف تستمر الحياة، وتضاء مصابيح الفرح في كل مكان، وترتع الغزلان في الحقل، وتمسح خدها على العشب القشيب. 
سيحدث هذا في القريب، بإذن الله تعالى، لأن تفاؤل الإنسانية يسبق تشاؤمها، وابتسامتها أكثر اتساعاً من عقيدة الحزن واليأس.