كانت المناظرة الرئاسية التي جرت بين دونالد ترامب وجو بايدن في كليفلند، يوم التاسع والعشرين من سبتمبر المنصرم، واحدة من أكثر المناظرات ترقباً ومشاهدةً في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، لكنها كانت أيضاً المناظرة الأسوأ في تاريخ الديمقراطية الأميركية. وبالمقابل، كانت كل المناظرات الرئاسية السابقة، بدءاً بأول المواجهات المتلفزة، وكانت بين ريتشارد نيكسون وجون كينيدي في عام 1960، أحداثاً جدية وذات مغزى. والواقع أن المسؤولية عن الكارثة التي وقعت في كليفلند تقع بشكل كبير على أداء ترامب، ولا شك أنها لم تفد شيئاً لتعزيز حظوظ إعادة انتخابه. 
على بعد قرابة شهر من الموعد الرسمي للانتخابات في الثالث من نوفمبر القادم، جاء ترامب إلى المناظرة بمعدلات تأييد شعبي ضعيفة، مما يشير إلى أنه إذا لم يحسّن أرقامه فإنه سيخسر في كل من التصويت الوطني والتصويتات في الولايات التي تشكّل ساحات معارك انتخابية مهمة ستحدِّد من سيفوز في المجمع الانتخابي. وكان هدف ترامب الرئيسي في المناظرة مهاجمة منافسه جو بايدن بشراسة وجعله يبدو زعيماً ضعيفاً وغير مؤثّر، زعيماً إن انتُخب سيكون بيدقاً في أيدي اشتراكيي الجناح الراديكالي المتطرف في حزبه . وبالمقابل، كان هدف بايدن هو أن يكون الصوت الهادئ للعقل ويقدِّم نفسه كنقيض لترامب بخصوص مَن يستطيع قيادة البلاد بشكل أفضل في هذا الزمن المضطرب. ولئن كان بايدن قد ظهر بمظهر الرجل الأكثر استقراراً وعقلانيةً، فإنه لم تكن لديه فرصة ليقدِّم مخططاته للبلاد بسبب مقاطعات ترامب الكثيرة له. 
والواقع أن مقاطعات ترامب كانت كثيرة لدرجة أن مدير الحوار، المذيع الفصيح والصارم عادة «كريس والاس» (من قناة «فوكس نيوز») لم يكن قادراً على ضبط وتنظيم المناظرة، إذ اضطر لرفع صوته عدة مرات من أجل تنبيه الرئيس ومعاتبته لعدم الالتزام بقواعد المناظرة التي وافق عليها كلا الحزبين السياسيين. 
والسؤالان اللذان ظهرا فور انتهاء المناظرة هما: أولا، ما الجدوى من إجراء مزيد من المناظرات؟ وثانياً، هل ينبغي تغيير قواعد الاشتباك من أجل تفادي تكرار ما وقع يوم الثلاثاء في حال بقيت المناظرتان المتبقيتان مقررتين في التاريخ الذي حدد لهما ولم تلغيا؟ الواقع أنه من المستبعد إجراء المناظرتين المتبقيتين، وذلك عقب إصابة الرئيس ترامب بفيروس كورونا المستجد، ومن ثم نقله إلى المستشفى للخضوع للعلاج والمراقبة الصحية اللصيقة، لفترة زمنية يصعب تقديرها الآن. 
وخلال مناظرته الأولى وبعدها، لم يَعِد ترامب بالتزام القواعد على الأرجح، لذلك فحتى لو سمحت له ظروفه الصحية بخوض مناظرة أخرى، فإنها أي مواجهة ثانية قد لا تكون أقل فوضى من الأولى. وفي غضون ذلك من المرتقب أن تكون هناك مناظرة في السابع من أكتوبر الجاري بين نائب الرئيس مايك بانس والسيناتور كمالا هاريس. وبالنظر إلى السجل السابق للمرشحين، فإنه من المحتمل أن تكون المناظرة الأكثر هدوءاً ولباقة وانضباطاً. 
والواقع أنه من المبكر معرفة ما إن كانت المناظرة قد غيّرت آراء أي ناخبين مترددين لم يحسموا اختياراتهم بعد بخصوص المرشح الذي سيصوّتون له. فترامب كان في حاجة إلى إثارة إعجاب قاعدته الانتخابية، وإلى إثارة حماسها من أجل الذهاب إلى مكاتب الاقتراع بأعداد كبيرة من أجل الإدلاء بأصواتها في الثالث من نوفمبر. غير أنه من المستبعد أن يكون قد فاز بدعم ناخبين جدد، نظراً لأن معظم الأميركيين يبدو أنهم حسموا أمرهم واتخذوا قرارهم التصويتي. وعلاوة على ذلك، فإن عدداً أكبر من الولايات من المرتقب أن تسمح خلال الأسابيع المقبلة بالتصويت المبكر، كما أن هناك أشخاصاً أكثر من أي وقت مضى يصوّتون مبكراً عبر البريد في انتخابات هذه السنة. 
إن مناظرة كليفلند سيتذكرها الأميركيون كمثال للفوضى التي شهدتها والإساءات التي وجهها المرشحان لبعضهما البعض. غير أن الذكرى التي ستظل راسخة في الأذهان أكثر ربما هي رفض ترامب التنديد بسلوك العنصريين البيض الذين باتوا أكثر حضوراً في التجمعات الاحتجاجية. فخلال المناظرة، ذُكرت جماعة «الأولاد الفخورين»، وهي واحدة من المجموعات المتطرفة. وكان رد ترامب لهذه المجموعة أن «ابتعدوا وابقوا جاهزين». هذا التصريح اعتُبر من قبل «الأولاد الفخورين» بمثابة دعم لممارساتهم من قبل ترامب ونُشر فوراً على مواقعهم على الإنترنت.