مع وضع القطعة الأخيرة من «متحف المستقبل» في مكانها، السبت 3 أكتوبر 2020، تُضاف أيقونة معمارية جديدة إلى الصروح الباهرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ولوحة جمالية أخّاذة تتجَّسد فيها ذروة الإبداع الإنساني في التصميم والبناء، ويتجانس فيها المبنى مع المعنى، وينسجم التطلع إلى المستقبل من خلال أقصى ما وصل إليه العلم من اكتشافات في أكثر مجالاته طموحاً وتعقيداً مع الأصالة والتراث والهوية العربية والإسلامية.
تجانُس المبنى مع المعنى يَظهر جليّاً في تشييد «متحف المستقبل» كاملاً من خلال تقنيات المستقبل، ليكون شاهداً على قدرة العقل الإنساني على توظيف التطور العلمي الهائل في كل المجالات، وليشير إلى الآفاق الواعدة لإنجازات علمية سوف تغير وجه الإنسانية، وتتيح فرصاً لمن يستطيعون مواكبة هذا التغير غير المسبوق والاستفادة من قدرته على جعل حياة الإنسان أفضل وأكرم، وتوفير الرخاء والازدهار للدول والأمم القادرة على الانخراط في السباق نحو امتلاك أدوات المستقبل واستثمارها بالشكل الصحيح.
وليس غريباً أن تكون المقولات الملهمة المحفورة على جدار المتحف الخارجي، هي كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، الذي كان بصره على الدوام موجَّهاً صوب المستقبل، قارئاً لمساراته ومستشرفاً لتحولاته وآفاقه التي يقودها الخيال الإنساني، مُسلَّحاً بالإرادة والعزيمة والعمل الجاد وروح الإنجاز، وليس غريباً أن يكون من أهم هذه العبارات قول سموه: «المستقبل سيكون لمن يستطيع تخيّله وتصميمه وتنفيذه.. المستقبل لا يُنتظر.. المستقبل يمكن تصميمه وبناؤه اليوم»، وقوله: «لن تعيش مئات السنين، ولكن يمكن أن تبدع شيئاً يستمر مئات السنين»، ففي هاتين العبارتين تتجلى فلسفة المستقبل أوضح ما تكون، وفي موقع القلب منها دور الإنسان المسلح بالطموح والرغبة في الإنجاز، وتحقيق رسالة إعمار الأرض التي تمثل جوهر الاستخلاف فيها.
ويعد المتحف معجزة عمرانية لا مثيل لها حول العالم، فهو كتلة واحدة متجانسة تشبه قطرة عملاقة لامعة كمعدن الزئبق، وقد حصد المبنى جوائز عالمية مرموقة، من بينها جائزة «تيكلا» العالمية للبناء باعتباره نموذجاً فريداً من نوعه، حيث لا يوجد أي مبنى في العالم تم تشييده بناءً على تقنيات مشابهة، ويبدو المتحف بعد اكتمال واجهته الخارجية كأنه يطفو بلا أسس أو دعامات أو أعمدة، وذلك بفضل استخدام أحدث التقنيات التي عززت لقبه كأكثر المباني انسيابية على مستوى العالم، والاعتماد على الحسابات الهندسية المتناهية الدقة من خلال برمجيات متقدمة على حواسب عملاقة بمعالجات فائقة السرعة لاحتساب أفضل صيغ المنحنيات وأكثرها متانة واستجابة في تصميمه، وترتفع الطوابق السبعة لـ «متحف المستقبل» إلى 77 متراً، وتتكون واجهته من 1024 قطعة فنية مُصنَّعة بالكامل عن طريق الروبوتات، ومُنفَّذة بشكل فريد من نوعه، حيث أُنتِجت ألواح الواجهة باستخدام أذرع آلية مؤتمتة في سابقة هي الأولى في المنطقة.
وهذه المعلومات التي تمثل جزءاً يسيراً من أوجه فرادة البناء وحداثته التقنية، تكتسب بعداً جديداً مع جماليات الخط العربي، الذي زيَّن واجهة المبنى بكلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «رعاه الله»، ليضيف إلى إبداعه المعماري والفني، وليضفي عليه أصالة وعراقة مستمدتَين من القيم العربية الأصيلة التي تنطلق منها كلمات سموه، في دلالة على أهمية الهوية والجذور في أي تطلع إلى المستقبل.
إن «متحف المستقبل» هو أحد الشواهد المتجددة على المكانة الرفيعة التي تحتلها فكرة «المستقبل» ضمن أولويات دولة الإمارات، بما يعنيه ذلك من العمل على استشرافه بشكل علمي، واستكشاف مسارات التطور في كل مجالات الحياة من أجل وضع الاستراتيجيات والخطط القادرة على التعامل مع المتغيرات، وجعل التفكير المستقبلي بُعداً حاضراً في ذهن كل المسؤولين على اختلاف مواقعهم ومسؤولياتهم في الدولة، وامتلاك ناصية العلم بوصفه الرافعة المستقبلية للتقدم، ولذا، فإن الدلالات الرمزية لمبنى المتحف ليست منفصلة أبداً عن المعنى، في دولة تؤمن بالمستقبل وتعمل من أجله.
 عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.