استلهامًا لمقولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الخالدة: «مَن لا يعرف ماضيه لا يستطيع أن يعيش حاضره أو مستقبله»، وبرعاية من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، ينطلق مهرجان الظفرة في دورته الرابعة عشرة هذا العام، خلال الفترة من 5 نوفمبر المقبل إلى 29 يناير2021 في مدينة زايد بمنطقة الظفرة، موطن أسلاف قبيلة بني ياس التي تنتمي إليها الأسرة الحاكمة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
إن فعاليات المهرجان هذا العام، التي تشتمل على مزاينة الإبل لفئتي المحليات والمجاهيم، ومزاينة الصقور والسلوقي وغنم النعيم، وسباق الخيول العربية الأصيلة، ومسابقة الصيد بالصقور، وبطولة سباق السلوقي العربي التراثي 2500 متر، ومسابقة الرماية، وغيرها من الفعاليات التي ستُعقَد ضمن جدول ومواعيد تستمر نحو 13 أسبوعًا، تعكس العديد من القيم التي تعني الكثير لمواطني دولة الإمارات بصفتها تمثّل ماضيهم وحاضرهم العريقَين، وتراثهم الذي تربَّوا عليه وتشبَّثوا به، حيث سيتم خلال المهرجان التركيز على صور حياة أهل الدولة في الماضي بطريقة ترفيهية مميزة، وسيتعرف زائروه إلى طبيعة الحياة المحلية والعلاقة بين الإنسان الإماراتي وبيئته المحلية.
وبمقدار حرص دولة الإمارات على تنظيم مهرجان الظفرة هذا العام، لأهميته البالغة في التعبير عن اعتزازها بإرثها وتراثها، وفخر شعبها بموروثهم الحضاري والثقافي، الذي يجسّد أصالتهم، ويحافظ على هويتهم الوطنية والعربية والإسلامية، فإن هناك حرصًا موازيًا، يسير جنبًا إلى جنب ذلك كله، يتمثل في أهمية وضرورة الحفاظ على صحة الناس وسلامتهم خلال المهرجان، خاصة أنه يأتي في وقت يواجه العالم فيه جائحة «كوفيد-19»، إذ لن يشتمل هذه المرة على فعاليات السوق الشعبي منعًا للاكتظاظ، وتحقيقًا لسياسات التباعد الجسدي، كما سيتم اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية والوقائية اللازمة لحماية المشاركين والعاملين والزائرين من انتشار الفيروس.
ولأن تقدم الأمم والشعوب لا يقاس من خلال نهضتها في المجالات الاقتصادية والصناعية فحسب، فقد أخذت دولة الإمارات على عاتقها المضيّ قُدمًا في إحياء التراث الإماراتي وصونه والحفاظ عليه، والتعريف به من خلال الفعاليات الثقافية على اختلافها، الأمر الذي يؤكد إصرارها على الحفاظ على تاريخها وأصالتها وتراثها، وتعريف شعوب الدول كافة بهذا التاريخ، بصفته جزءًا من الثروة الوطنية والقومية للدولة وأهلها، ولذلك يجد المتتبّع أن أجندة الإمارات الثقافية وخططها الاستراتيجية انطلقت من مجموعة من الاعتبارات التي تركز على حماية المشروعات المعنية بالتراث والثقافة وتشجيعها، والحفاظ عليهما في عالم متغير يهدد الهوية التراثية للشعوب.
وقد تبنّت دولة الإمارات، قيادةً وحكومةً وشعبًا، منهج الوالد المؤسس، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في تحقيق التوازن بين النهضة العمرانية، والحفاظ على التراث وعلى هوية دولة الإمارات وثقافتها وتراثها المليء بكل مؤشرات العراقة والحضارة، ليأتي مهرجان الظفرة بصفته أحد أهم المهرجانات التي تلعب دورًا بارزًا في صون التراث والحفاظ عليه، وإيصال الرسالة الحضارية والإنسانية للدولة وأهلها إلى مختلف ثقافات العالم وشعوبه، وذلك من خلال إحياء الأنشطة التراثية التي كان يمارسها الإنسان الإماراتي بشكل يومي في الماضي، وترسيخها في أذهان النشء والشباب وقلوبهم، فالتراث هو الثروة القومية، وهو المرآة الوطنية المشرقة لدولة الإمارات، التي تعكس ماضيها العريق وحاضرها المشرّف، الذي أصبحت فيه نموذجًا يحتذى به في التقدم والتطور، وتحولت إلى رمز للتعايش والتآخي والتعددية والتنوع، وهي التي تضم على ترابها أبناء أكثر من 200 جنسية، يختلفون بينهم في العرق واللغة والدين، لكنهم يعيشون حياة كريمة وإنسانية، يتمكّنون فيها من ممارسة معتقداتهم بحرّية، والعيش والعمل بطمأنينة وسكينة.

* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.