كان شهر أغسطس من العام 1990 «شهر جحيم» بامتياز على الكويت والمنطقة العربية. ففي اليوم الثاني منه، اندفع الجيش العراقي نحو العاصمة الكويتية التي لم تكن تبعد عن الحدود العراقية سوى عشرات الكيلومترات، واحتلها خلال ساعات قليلة، منتهكاً بكل عنجهية مبادئ الجوار وقواعد العمل العربي المشترك.
في اليوم الأول من أغسطس كانت هناك دولة تتمتع باستقلال مكتمل الشروط اسمها الكويت، ودولة أخرى اسمها العراق تبحث عن صراع جديد يوازن وجودها بعد خروجها من الحرب مع إيران. في الأول من أغسطس، لم تكن العلاقات العربية- العربية على ما يرام، لكنها كانت على أية حال محكومة بتوازنات تاريخية وجغرافية. صحيح أنها توازنات ضعيفة وهشة وقابلة للكسر، إلا أنها على الأقل كانت قائمة بدورها المتناغم مع «حالة المجاملة»، التي كانت تنشر ظلالها على الأنظمة العربية آنذاك!
في اليوم الأول من أغسطس كانت درجات الحرارة في معدلها السنوي المعتاد. ولم يكن يكدر صفو الأجواء في المنطقة سوى بعض الرسائل السياسية العراقية الخارجة عن اللباقة الديبلوماسية، والتي كانت تظهر بين الحين والآخر.
كانت الأجواء في اليوم الأول من أغسطس امتداداً، لا أقل ولا أكثر، لما قبلها من الهدوء المصاب بالترقب والحذر، لكن في اليوم الثاني من «شهر الجحيم» انقلبت الأوضاع رأساً على عقب. البلد المستقل سقط. والبلد المترنح بعد الحرب الإيرانية انشغل بصراع جديد. والتوازنات «العربية - العربية» الضعيفة انكسرت وتشكلت بدلاً عنها محاور انتهازية وتحالفات نفعية. 
احتلت الكويت خلال ساعات، لكن شعبها ورجال الحكم فيها أعادوها خلال أيام قليلة دولةً مستقلةً في وجدان العالم. صنعوا منها أول دولة في التاريخ تتمتع باستقلال كامل وتام من دون إقليم تتمدد عليه. وكانت كلمة السر في كل ذلك تتمثل في رجل واحد هو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح رحمه الله الذي كان وزير خارجيتها آنذاك.
حملها رحمه الله إلى المنتديات العالمية، وزرعها في المنظمات الحقوقية، وأخذها إلى دهاليز الحكم في عشرات الدول، واستطاع بإخلاصه وعزيمته وقدرته على التفاوض والإقناع أن يقنع كل سكان الكرة الأرضية بالحق الكويتي، ويجمع من بين دول العالم أكثر من 30 دولة شاركت فعلياً في المجهود العسكري الذي أخرج جيش «صدام حسين» من الكويت خلال أقل من 7 أشهر.
كان الشيخ صباح الأحمد رحمه الله، بتوجيه من أخيه حاكم البلاد، آنذاك، الشيخ جابر الأحمد، هو الصورة العالمية للكويت المحتلة، وهو صوتها القوي في المحافل الدولية. هذا الحضور الكبير له خلال الأزمة العراقية- الكويتية، جعل منه قائداً عظيماً وسياسياً لا يُشق له غبار، ما انعكس على سنوات عمله اللاحقة سواء في وزارة الخارجية أو رئاسة مجلس الوزراء أو بعد تقلده مقاليد الحكم في الكويت عام 2006م، التي تميزت بالحكمة والحنكة والالتزام بمنطق الحق والقوة في الوقت نفسه. رحم الله الشيخ صباح وحمى الكويت وأهلها.
*كاتب سعودي