الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

السحابة البشرية

السحابة البشرية
28 سبتمبر 2020 01:34

في المقال السابق عدنا إلى نهايات القرن الثامن عشر، لنشهد إعصار التغيير الذي هبّ بقوة مع بواكير الثورة الصناعية، متيحاً الفرصة لأناس أذكياء، كي يركبوا أمواجه، ويصيروا قادته وموجهيه، بينما ركب آخرون رؤوسهم، رافضين الواقع الجديد، فخسروا كل شيء. 
التحولات التي تجري في عالم اليوم مشابهة، لكنها أكبر من مجرد إعصار؛ إنها «تسونامي» حقيقي بدأت آثاره العميقة تتبدى بالفعل أمام العالم، فالكثير من الوظائف التي عرفناها ونعرفها، ستحال إلى المتحف، مفسحة المجال للتقنيات المتقدمة. 
وإنترنت الأشياء يتغلغل في حياتنا بأسرع من قدرتنا على فهم واستيعاب ما يجري من تطورات. والروبوتات والأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي أصبحت قادرة على القيام بأعمال معقدة وتحتاج، ليس فقط إلى جهد عضلي، بل إلى شيء يشبه التفكير البشري. وشبكات الجيل الخامس في طريقها إلى نشر الأتمتة على نطاق تفوق قدرتنا على التخيّل.
ماذا تعني هذه الاعتبارات بالنسبة للشباب، سواء المقبل على العمل أو على ريادة الأعمال؟  لعل المشهد التالي يوفر جواباً شافياً:  في الآونة الأخيرة، بدأت المجتمعات المتقدمة علمياً وتكنولوجياً، تعاني من وصول أعداد كبيرة من جيل الطفرة (الستينيات) إلى سن التقاعد. هؤلاء المتقاعدون يتركون فراغاً يصعب ملؤه بالاعتماد على الأجيال الشابة، إما لنقص في أعداد هؤلاء، أو لميلهم نحو الاستقلال والعمل الحر، وترددهم في الامتثال لقيود الوظيفة التقليدية. 
في المقابل، تعاني المجتمعات الأقل تقدماً في آسيا وأفريقيا وغيرهما من زيادة مطردة في أعداد العاطلين عن العمل، من الشبان الأذكياء والمتخرجين من تخصصات كالبرمجة الحاسوبية، والتصميم، والتطوير، والإعلام، والمحتوى وغيرها. 
ثمة احتياج هنا، يقابله احتياج هناك، وبين الاحتياجين توجد شبكة الإنترنت بإمكاناتها الهائلة التي أتاحت فك الارتباط بين العمل والموقع الجغرافي. وبالنتيجة، نشأ ما يعرف باقتصاد العمل المؤقت (GIG Economy)، أو اقتصاد الأفراد. في هذا الاقتصاد يمكنك أن تؤجر موهبتك، أو سيارتك، أو قوة عملك، أو أفكارك لتحصل على المال الذي يحميك من العوز، فيما يحصل الطرف الآخر على خدمات، هو في أمسّ الحاجة إليها. لكن شرط نجاح هذه المعادلة، أن يكون الطرفان على علاقة طيبة مع الوسيط (الإنترنت)، أي أن يكونوا ممن ركبوا موجة التغيير، عوضاً عن أن يركبوا رؤوسهم، ويتذمروا من الجديد. 
في العام 2018 وحده، بلغت قيمة اقتصاد العمل المؤقت 1.3 تريليون دولار في أميركا وحدها. هل قلنا في أميركا؟ حسناً، من الدقة عدم قول ذلك، والسبب: أن 70% من هذا المبلغ الضخم انتقل إلى بلدان آسيوية، كالهند وباكستان وبنغلاديش وغيرها، عبر ما بات يسمّى «السحابة البشرية» التي تشكل عماد الاقتصاد الجديد.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©