كان‎ ‬المتوقع أن ‬تضحى ‬أعمال ‬الجمعية ‬العامة ‬للأمم ‬المتحدة ‬لهذا ‬العام ‬مثاراً ‬لأحاديث ‬الاحتفالات ‬الكبرى، ‬لا ‬سيما ‬وأن ‬ذكرى ‬75 ‬عاماً ‬تحل ‬هذه ‬الأيام ‬على ‬قيام ‬المؤسسة ‬الأممية ‬التي ‬أراد ‬منظروها ‬أن ‬تقي ‬العالم ‬شر ‬الخصام ‬والحروب، ‬وأن ‬تحمي ‬السلام ‬العالمي ‬بعدما ‬تهدد ‬بصورة ‬غير ‬مسبوقة ‬من ‬جراء ‬حربين ‬عالميتين.
‬غير ‬أن ‬وسائط ‬التواصل ‬الاجتماعي ‬عوضت ‬ولو ‬بجزء ‬يسير ‬من ‬غياب ‬الزعماء ‬والرؤساء ‬والملوك، ‬وقد ‬بدا ‬واضحاً ‬أن ‬هناك ‬قيمة ‬كبرى ‬تغيب ‬عن ‬أجواء ‬العالم، ‬قيمة ‬السلام، لا ‬سيما ‬وسط ‬تصاعد ‬موجات ‬الكراهية ‬بين ‬القوميات، ‬وعودة ‬سباق ‬التسلح ‬بين ‬القوى ‬الكبرى، بل ‬إن ‬عديداً ‬من ‬البقاع ‬والأصقاع أمست ‬في ‬صراعات ‬وحروب ‬أهلية، ‬وأقاليم ‬بذاتها، تفتقد ‬هذه ‬القيمة ‬العظمى ‬منذ ‬نحو ‬عقد ‬من ‬الزمان.‬ومن ‬أسف ‬فإن ‬منطقة ‬الشرق ‬الأوسط ‬في ‬مقدمتها.‬على أنه ‬ومن ‬العلامات ‬التي ‬تحمل ‬بشرى ‬بنوع ‬خاص، ‬أن ‬تقوم ‬الإمارات ‬العربية ‬المتحدة ‬بمد ‬يد للسلام ‬في ‬منطقة ‬معروفة ‬بالحروب ‬ومألوفة ‬بالتنازع ‬وموصوفة ‬بأن ‬آفتها ‬التصارع، ‬وما ‬يزيد ‬الإشكال ‬شرق ‬أوسطياً ‬أن ‬الخلافات ‬لم ‬تكن ‬يوماً أيديولوجية ‬سياسية ‬مجردة ‬فقط، ‬بل ‬كانت ‬عطفاً ‬على ‬ذلك ‬ممزوجة ‬بمرارة ‬دوجمائية ‬لاذعة، ‬ما ‬عقّد ‬الأمر ‬لعقود ‬طوال.
والشاهد‎ ‬أنه ‬لا ‬يغيب ‬عن ‬أعين ‬الباحث ‬المحقق ‬والمدقق ‬أن ‬فلسفة ‬الإمارات ‬في ‬قبول ‬الآخر، ‬والانفتاح ‬على الجميع، ‬واحترام ‬كافة ‬أتباع ‬الأديان، ‬إبراهيمية ‬كانت ‬أو ‬وضعية، ‬كان ‬المدماك ‬الأول ‬واللبنة ‬الحقيقية ‬التي ‬حطمت ‬الجسور ‬العقدية ‬المتكلسة، ‬وفتحت ‬الطرق ‬واسعة، ‬والدروب ‬ممهدة ‬لسلام ‬حقيقي ‬لأجيال ‬المستقبل ‬من ‬الإماراتيين ‬والإسرائيليين.
‬تعطي ‬الإمارات ‬هذه ‬الأيام ‬نموذجاً ‬لدول ‬العالم ‬التي ‬تجتمع ‬افتراضياً تحت ‬مظلة ‬الجمعية ‬العامة ‬للأمم ‬المتحدة ‬لفتح ‬مساقات ‬للسلام ‬وبصورة ‬خاصة ‬عبر ‬تفعيل ‬الحوار ‬بين ‬أتباع ‬الأديان، ‬وقد ‬كانت أبوظبي ‬حاضنة ‬في ‬فبراير ‬2019 ‬لواحدة ‬من ‬أهم ‬وثائق ‬القرن ‬الحادي ‬والعشرين، ‬ونعني ‬بها ‬وثيقة ‬«الأخوّة ‬الإنسانية»، ‬تلك ‬التي ‬نادت ‬بأن «المؤمنين ‬أخوة»، ‬وأن ‬زمننا ‬هذا ‬هو ‬زمن ‬الوحدة والاتحاد، ‬في ‬مواجهة ‬خطوب ‬الحياة ‬المعاصرة، ‬سواء ‬كان ‬الأمر ‬على صعيد ‬الأفكار، ‬أو ‬القضايا اللوجستية ‬المعاصرة، ‬والتي ‬لم ‬تكن ‬حاضرة ‬في ‬القرن ‬الماضي.
الذين‎ ‬يقرأون ‬لا ‬ينهزمون، ‬والعقول ‬الإماراتية ‬أدركت ‬منذ ‬زمن ‬بعيد ‬صدقية ‬ما ‬نادى ‬به ‬البروفيسور «هانز ‬كينغ»، ‬وهو ‬رجل ‬دين ‬كاثوليكي ‬ولاهوتي ‬سويسري ‬شهير، ‬في ‬مؤتمر شيكاغو ‬للأديان ‬عام ‬1990، ‬من ‬أنه ‬«لا ‬سلام ‬بين ‬الأمم، ‬من ‬غير ‬سلام ‬بين ‬الأديان».على‎ ‬أن ‬علامة ‬الاستفهام ‬الجوهرية ‬كيف ‬يكون ‬سلام ‬بين ‬الأديان ‬إذا ‬انقطع ‬الحوار ‬بين ‬أبناء ‬أتباع ‬الأديان؟ من‎ ‬هنا ‬تبدو ‬النظرة ‬الإماراتية ‬تقدمية ‬قولاً ‬وفعلاً، من ‬خلال ‬تعظيم ‬الحوار ‬المستند ‬إلى القول ‬بقيم ‬مشتركة، ‬قيم ‬يمكنها ‬أن ‬تعد ‬روافع ‬حقيقية ‬قادرة ‬على ‬انتشال ‬البشر ‬من ‬دائرة ‬سر ‬الإثم ‬إلى أريحية ‬سر ‬البعث.
جرأة‎ ‬الإمارات ومصداقيتها في السعي إلى ‬السلام ‬تضع ‬البشرية ‬اليوم، ‬ومن ‬جديد، ‬أمام ‬استحقاقات ‬لتساؤلات مثيرة ‬عن مشروع ‬السلم ‬الدائم ‬بين ‬الأمم ‬على ‬الأرض، ‬وقطعاً ‬لأي ‬إرهاصات ‬حول ‬حروب ‬عالمية ‬في ‬قادم ‬الأيام.
صدّرت‎ ‬الإمارات ‬رواق ‬الأمم ‬المعاصرة من ‬جديد ‬للعالم، ‬تساؤلات ‬فلسفية ‬عميقة ‬حول ‬الحرب ‬والسلام، وهل ‬مشكل ‬الحرب ‬والسلم ‬هو ‬مشكل ‬فلسفي، ‬أو ‬مشكل ‬قانوني ‬فقهي، ‬أو ‬مشكل ‬أخلاقي ‬أو ‬مشكل ‬سياسي، ‬أو ‬هو ‬هذا ‬كله ‬في ‬آن ‬واحد.
مهما‎ ‬يكن ‬من ‬أمر، ‬فقد ‬حركت ‬الإمارات ‬مياه ‬الشرق ‬الأوسط ‬الراكدة، ‬ودفعت ‬قلاع ‬السلام ‬للإبحار ‬في ‬يم ‬المستقبل.
*كاتب مصري