الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الإبداع والنقد.. العلاقة الغائبة

أين هو الناقد الحقيقي؟ (أرشيفية)
26 سبتمبر 2020 00:07

محمد عبدالسميع (الشارقة)

هل يمكن أن نشهد فترةً حقيقيّةً من الصداقة بين الناقد والمبدع؛ بمعنى أن يُهدي المبدع إلى الناقد نتاجه، وهو يثق بالنصيحة التي تبتعد عن كلّ هوى؟!.. في الواقع يمكن ذلك إذا ما علمنا أنّ النقد هو الوجه الآخر للإبداع، وأنّ هذه «المادّة الخام» بحاجة إلى من يصقلها ويظهر لنا بريقها، ويؤشّر لصاحبها على ما يمكن أن يجعلها دائمة البريق في المستقبل.
وإذا سلّمنا بهذا، فإننا سنعيد للناقد «الحقيقيّ» - كما أكّد نقّاد وأكاديميون لـ «الاتحاد» - شيئاً من الاعتبار.

نقد النقد
يرى الكاتب إبراهيم مبارك، أنّه لا بدّ من وجود علاقة أدبيّة بين الناقد والكاتب، وأن يكون الناقد مُحبّاً للنصّ والأدب بطبيعة الحال، معترفاً بأنّ النقد في منطقة الخليج غير موجودٍ (بصيغة نقدية) أصلاً، موضحاً أننا نحتاج إلى النقد للتبصير والتنوير والأخذ بيد الشباب، خاصة أننا ما زلنا على مسافة بعيدة لإيجاد نقّادٍ لهم باع طويل في النقد.
وأكد مبارك: لا بدّ من الأخذ بأيدي الشباب، وهو ما يستلزم رحابة الصّدر، والإفادة من القراءة النقدية التي تتطلب الاطلاع المستمر، لأنّ الناقد أصلاً معرّضٌ لأن يُنتقد من النقّاد، أو الجمهور، أو الكتّاب، أو القرّاء.

النزاهة والكفاءة
وتذهب الناقدة د.مريم الهاشمي، إلى أنّ النقد نوعٌ من القراءة الفلسفيّة والسياق الأدبي للإبداع، مؤكّدةً العلاقة الكبيرة بين النقد والإبداع والنتاج الأدبيّ في المقام الأوّل، غير منكرةٍ للتذوّق الجمالي في القراءة الواعية للنصوص، كأساس للحكم النقديّ.
وتعرب الهاشمي، عن أسفها لأن نشهد جهلاً أو عدم معرفة بالسياق الأدبيّ في ثقافتنا، وهو ما تسبب في وجود قراء يطلبون فهم كلّ كلمة أو جملة في النصّ، أو تفسيرها، فإذا ما أعجزهم هذا الفهم، ذهبوا يرمون العمل بتهم مجحفة، ولو أدركوا أنّ هناك سياقاً يوجه النص، ويتحكم بالفهم والتفسير، لأدركوا مسالك هذا الجنس الأدبي؛ فالنص الأدبي الإبداعي كالفرس الأصيل – كما يقول الدكتور عبدالله الغَذَّامِي – الذي يحتاج فارساً حقيقياً، وإلا يُلقي بالمتطفل على صهوته أرضاً، وهذا الفارس هو الناقد العارف بمداخل النص.
وتؤكّد الهاشمي أنّ التذوق الجمالي، كفاعليةٍ للقراءة، قد يصاب –أحياناً – بما تصاب به حالة القارئ النفسية والثقافية من حالاتٍ تؤثر فيه وتطبعه تصوراته بطابعها، كحالات الغضب أو الفرح، وحالات التعب أو الراحة، وتخضع أحياناً لسلطان بعض الإيحاءات الثقافية والاجتماعية التي تسود مجتمع القارئ؛ لذا يجب على النقد أن ينسلخ من كل ما يمكن أن يؤثر على حكمه النقدي، وعليه أن يحاول جاهداً في هذا النوع من المنطلق النقدي أن يتمسك بنزاهة الحكم، واضعاً نصب عينيه العمل الأدبي منفصلاً عن أيّ حكم خارجي، وأن يمتلك الكفاءة الموسوعية والمنطقية والبلاغية التداولية والتواصلية، ليصل إلى تلك النزاهة التي نريد، فالكفاءة تدخل في فك ترميز المحتويات المضمرة، فغالباً ما يتعين اللجوء إلى معرفة قولية خاصة؛ بل إن يعيد بناءها اللغوي.

النقد والإبداع
وينطلق الناقد د.يوسف حطّيني، من أنّ النقد الأدبي هو مطالعة تفسيرية وتحليلية وتقييمية حول عمل من الأعمال الأدبية، أو حول مفهوم نقدي نظري من المفاهيم النقدية.
ويرى أنّ للنقد الأدبي وظيفتين أساسيتين هما: تمييز العمل الأدبي: جيّده من رديئه، واستنباط المعايير الجديدة من الأعمال الإبداعية المتميزة؛ لتطوير نظرية الأدب، وهو ما يستوجب أن ننتبه إلى أنّ «الإبداع إنشاءٌ»، أما النقد الأدبي فهو إنشاء عن إنشاء؛ فالإبداع متقدّمٌ على النقد من هذه الوجهة، والنقد التطبيقي الذي نريده هو نقدٌ غير مجامِل، وغير متحيّز، يضيء النقاط الإيجابية في العمل الأدبي، وينبه على النقاط السلبية، بلا تجريح، لمحاولة تداركها.
ويقول حطيني: إنّه إذا كان الإبداع لا يمكن أن يتطوّر من غير نقد، فإن النقد أيضاً لا يمكن أن يتطور دون إبداع؛ لأنه يفقد مادته الخام، فالعلاقة بين الناقد والكاتب علاقة متبادلة، في إطار تبادل الفائدة المعرفية بينهما، إذ يجب على الطرفين أن يقبلاها ويستثمراها إلى أبعد الحدود.
ويدعو حطيني، المبدع أن يطّلع على النظرية النقدية ليحسّن أدواته، وهذا لا يعني بالضرورة قراءة كتب النقد، بل تطبيقاتها من خلال أعمال إبداعية متطورة، موضّحاً أنّ الإبداع لا يمكن أن يتطوّر إلا من خلال القراءة، فليس ضرورياً، مثلاً، أن يقرأ الروائي دراسة عن تعدد الأصوات، ولكنَّ عليه أن يعدد قراءاته السردية ليكتشف هذه التقنية في شكلها الناجز، أمّا إذا كان المبدع مغرماً بقراءة النقد، فعليه أن يفيد منه، دون أن يؤطّر نفسه في سجن النظرية النقدية الناجزة؛ فالمبدع الحقيقي يستوعب قواعد النقد ومفاهيمه؛ ليتجاوزها، لا ليتقيّد بها.

استنطاق النص
وتؤكّد الناقدة د.بديعة الهاشمي، أنَّ ما نحتاج إليه هو «النقد الحقيقي»، الذي يتجه إلى العمل الأدبي على اختلاف نوعه وجنسه، ليدرسه ويحلله، ويقيّمه ويقوّمه، ويبدي الملاحظات بشأنه، وفق مناهج وأسس علميّة تنطلق من النص ذاته، ولا تفرض عليه من الخارج.. فالنقد الحقيقي لا يعني إبراز العيوب والتركيز عليها، إنما هو استنطاق للنص، لأفكاره ومضامينه ورؤاه بلغة إبداعية جديدة وجميلة، تضيف إليه وتكشف جمالياته، وتبين نقاط الضعف والخلل فيه.
ولذلك لم ينفصل النقد يوماً عن الأدب، كما تقول الهاشمي؛ فمنذ العصر الجاهلي وحتى يومنا هذا، ثمة كاتب يكتب، وناقد يحلل ويدرس ما يكتبه الكاتب.. وقد تمرّ هذه العلاقة بفترات قوة وضعف، وظهور واختفاء، ومراحل يعتريها الصفاء وأخرى تتسم بالضبابية، فهي علاقة جدليّة في الأساس، ولكن لا يعني ذلك أن أحدهما بإمكانه أن يستغني عن الآخر.
وتوضح أنّ هناك علاقة طردية بين جودة الإبداع ونشاط الحركة النقدية؛ فالنقد الجاد والموضوعي كان، ولا يزال، مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالحضور الإبداعي المتميّز، فمتى ما حضر المحرّض والمحفز الإبداعي المتميّز، كان النقد الحقيقي حاضراً ومؤثراً، وفي النهاية فإنّ العمل الجيد سيفرض نفسه لقراءته والالتفات إليه نقديّاً، والمبدع الجاد الذي يرغب في إثراء تجربته الأدبية وتطوير أدواته، سيلتفت بالتأكيد إلى ما يقوله الناقد الحقيقي والموضوعي.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©