المفلسون، غرفوا من معجم البذاءة ما يجعل قضية فلسطين بالنسبة لهم ليس أكثر من قهوة باردة، لم يبق فيها سوى الحثالة. هؤلاء ساعة يقولون دعوا فلسطين للفلسطينيين، ولا نريد التدخل في شؤوننا، وساعة أخرى، يلومون العرب على التواصل مع العالم من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من نشارة الخشب التي خلّفتها الاتفاقيات من خلف الستارة، حتى أصبح الفطين في حيرة من أمر هؤلاء المشعوذين. 
هؤلاء يريدون من العرب فقط دفع فواتير الحسابات الخاطئة، وسد أفواه الذين يرتزقون من وراء القضية، ولا يرزقونها إلا بمزيد من المهاترات، والافتراءات، والبيع بالباطن. لقد مرّ على احتلال فلسطين أكثر من سبعين عاماً، وهذه الوجوه والعقول نفسها التي تهيمن على مقدّرات الشعب الفلسطيني، وهم الذين يبيعون ويشترون، ويقايضون، ويساومون، وعندما تذلّهم الليالي، يلتفتون إلى إخوتهم العرب ويطالبون بموقف عربي واحد، ومحدد، وصارم وحازم وجازم في وجه إسرائيل، بينما الفلسطيني القابض على جوعه، وحصاة الصبر، لا يعرف إلى من ينتمي، فهل إلى حماس، أو عباس، فكلاهما يسحب النار صوب (قرصه)، عدا رغيف الفلسطيني (المعتر) يبقى بارداً، ليناً، معفراً بتراب اللوعة والفقدان، يبقى الفلسطيني الفقير، في وجه العدم ولا ماء لديه يغسل به ريقه الناشف سوى دموعه، وعرق تعبه وعوزه. 
هم يقولون: إن من يحق له التفاوض على حق الفلسطيني، هي القيادة الفلسطينية، ونحن نقول: مرحباً أيها القيادة الفلسطينية، ولكن أين هي؟! هل هي القيادة التي تختبئ في خنادق غزة، وتتأبّط شراً بكل من لا يعتنق أيديولوجية الإخوان؟ أم القيادة في رام الله التي هي منشغلة جداً في توزيع مهام التفاوض الفارغ من مضمونه، بين وجوه من طلعتها تعرف أنها انتهازية حتى نخاع العظم؟ إذن، مع مَن ستتفاوض إسرائيل، ومن هو الأحق بالتفاوض من بين الفريقين اللذين ما يحدث بينهما من عداء أشد ضراوة من عدائهما مع إسرائيل؟
فهؤلاء (المناضلون)، إذا كانوا عاجزين عن التصالح مع أنفسهم، فكيف بالله يستطيعون انتزاع حقوقهم من الغير؟ 
فهذه ليست لغزاً، وإنما هي الحقيقة، علينا أن نتخلص من الأفكار (الأنا والأنت)، ثم نتجه إلى الآخر بعقيدة سياسية واحدة، مشتركة، لا تغشيها شوفينية الأيديولوجيا الفاسدة.