رغم ضآلة عدد القوات الأميركية في شرق سوريا، ومع الأخذ بالاعتبار أهمية وجودها ولو «رمزياً» لاستثمار واشنطن نفوذها السياسي والعسكري، دخلت شركات التحالف الدولي مجال استثمار النفط في المنطقة، بالاتفاق مع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي تسيطر على حقول في دير الزور والحسكة، لكنها تواجه معارضة شديدة من قبل الحكومة السورية التي تعتبر الوجود الأميركي «غير شرعي»، كونه يحتل مناطق من البلاد بالقوة، وهي (أي الحكومة السورية) مدعومة من روسيا، التي اتهمت الجانب الأميركي بـ«سرقة» ثروات الشعب السوري، حيث أكدت الخارجية الروسية بلسان المتحدثة باسمها «ماريا زاخاروفا»، أن «الاستخراج غير القانوني للنفط السوري، وتهريبه بدعم من الولايات المتحدة، يشكل نهباً موصوفاً للموارد الطبيعية في سوريا، واعتداءً على سيادة الدولة السورية وسلامة أراضيها»، هذا مع العلم أن مناطق النفط والغاز تمتد إلى تدمر وريف حمص (وسط سوريا)، والتي تسيطر عليها القوات الروسية مع الفيلق الخامس السوري. 
وبموجب الاتفاق، ستقوم الشركة الأميركية «دلتا كريسنت إنرجي» بتطوير الطاقة والنقل والتسويق والتكرير والاستكشاف في المنطقة، وتأسيس مصفاتين متنقلتين تنتجان 20 ألف برميل يومياً لتلبية حاجة الاستهلاك المحلي، ولوحظ أن هذه الخطوة أحدثت قلقاً كبيراً لدى الشركة البريطانية «غولف ساندز» التي بدأت تدرس باهتمام كبير تفاصيل هذا الاتفاق ومدى تأثيره على حقوقها الاستثمارية بموجب عقد وقعته مع الحكومة السورية عام 2003، ويقضي بتطوير «بلوك رقم 26» في شرق الفرات، بعدما أنفقت عليه أكثر من 350 مليون دولار، وهو حالياً تحت سيطرة قوات «قسد»، نتيجة الصراعات القائمة، والعقوبات الأميركية والأوروبية على دمشق، وهي مصممة على ضمان حماية حقوقها، وملتزمة بموجب القانون الدولي، مع دولة ذات سيادة، وتتوقع استئناف عملها عندما تسمح لها الظروف بذلك.
وتعد الشركة البريطانية واحدة من 11 شركة أجنبية (أوروبية وأميركية وصينية وكندية، وحتى روسية)، كانت تعمل في القطاع النفطي حتى عام 2013، حيث علقت أعمالها بعدما تكبدت خسائر بلغت 6.4 مليار دولار، بسبب التطورات الأمنية، هذا مع العلم بأن الأراضي السورية تحتوي على حقول نفطية مهمة، ويبلغ احتياطيها المؤكد نحو ملياري برميل، وكانت قبل الأحداث تنتج 385 ألف برميل يومياً، بما يؤمن لها دخلاً سنوياً يصل نحو 13 مليار دولار، لكن منذ بدء الأحداث، وقعت المناطق النفطية تحت سيطرة «داعش»، ثم «قسد»، والقوات الروسية والأميركية، وفي السنوات الأخيرة، شهدت سوريا تطورات سياسية وعسكرية وديموغرافية، خصوصاً بعد تحرير معظم المناطق من «داعش»، ومع بروز ملامح العودة التدريجية لمسيرة الهدوء، بدأت تظهر خطوات تقاسم النفوذ والمصالح، إقليمياً ودولياً، لذا وصف المراقبون الصراع القائم حالياً، والذي يتموضع حول الاستثمار النفطي، بأنه يتجاوز ذلك، إلى «مثلث جغرافي» بين العراق وسوريا والأردن، ويقترب من إسرائيل، فضلاً عن كون هذا المثلث موقع «استراتيجي» للحد من توسع إيران وتقوية نفوذها.
ومع الوجود الأميركي في شرق سوريا، وفي ظل احتدام الصراع على استثمار المصالح وتشديد العقوبات، تبرز مواجهة واشنطن ضد تنفيذ مشروعين استراتيجيين لطهران: الأول مشروع تصدير النفط عبر أنبوب يمر بالعراق وسوريا (منطقة دير الزور) إلى ميناء بانياس على البحر المتوسط، تنفيذاً لاتفاقيات موقعة بين البلدان الثلاثة في يوليو 2011، والثاني مشروع الأوتوستراد البري، الذي يمتد من إيران إلى لبنان، ويمر أيضاً عبر المنطقة ذاتها التي تسيطر عليها «قسد» المدعومة من القوات الأميركية.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية