هل يمكن أن تنشب حرب بين تركيا من جهة، واليونان والدول الأوروبية الداعمة لها من جهة أخرى؟ بالتأكيد لوحدها اليونان لن تستطيع أن تواجه تركيا، فلا يوجد أي مجال للمقارنة العسكرية بين الدولتين، فتركيا هي المتفوقة عسكرياً من جميع النواحي، وترتيبها الثاني في حلف «الناتو»، والحادي عشر على مستوى العالم، بينما اليونان ترتيبها الثالثة والثلاثون عالمياً. وعليه فمن الطبيعي أن تستغيث اليونان بالاتحاد الأوروبي. لكن السؤال الأهم هو: هل من مصلحة أوروبا أن تنشب حرب بين اليونان وتركيا؟
أوروبا تُدرك جيداً أنها بحاجة ملحة إلى استيراد الغاز الروسي الذي يمّر عبر الأراضي التركية، وليس من مصلحتها أن تندلع حرب بينها وبين تركيا، وبالتالي حين تتوقف إمدادات الغاز الروسي، فسوف تفقد عنصراً مهماً من عناصر الطاقة التي هي بأمس الحاجة إليها. ورغم افتراض محاولتها للحصول على الغاز من دول أخرى، مثل إسرائيل، بأن يتم مد خط غاز بحري شرق المتوسط، فإن تركيا استبقت تلك المحاولات بترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، بمعنى أن خط تصدير هذا الغاز بين إسرائيل وأوروبا لابد من مروره عبر المناطق الاقتصادية المرسمة بين تركيا وليبيا. وكانت تركيا قد صرّحت مسبقاً بأن هذه الاتفاقية مع ليبيا -رغم عدم شرعيتها القانونية- هي خط أحمر لن تتنازل عنه. أما عن موقف روسيا، فعلى الرغم من خلافها مع تركيا فيما يخص الشأن الليبي، إلا أنه من مصلحة روسيا استمرارية تصديرها للغاز إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، فدخول منافسين جدد في سوق الغاز لأوروبا يضر بالتفوق الروسي في هذا المجال، وهذا ما يجعلنا نفهم السكوت الروسي تجاه العديد من التجاوزات التركية.
ومن الأسباب الأخرى التي تؤرق أوروبا موضوع اللاجئين، وهو الورقة التي طالما استغلها أردوغان، وطالما قام بإطلاق تهديداته المستمرة بإغراق أوروبا بموجات منهم، لذا فإن قيام حرب سيقوض من قدرة تركيا على التحكم في ضبط عمليات تهريب وتسلل اللاجئين نحو أوروبا. بل إن تركيا ستحارب أوروبا بكافة الوسائل وتسهّل عملية تسلل اللاجئين. بمعنى أن الرقابة التركية المتشددة على تدفق اللاجئين ستنعدم. وإذا كانت أوروبا في الوقت الحالي تعاني منهم مع الرقابة التركية، فكيف سيكون الوضع مع دخول تركيا في حرب مع اليونان؟ ذلك سوف يخلق مشكلة كبيرة لأوروبا، ولها من دروس ملايين اللاجئين السوريين الكثير من العبر.
كما أن هناك الكثير من المصالح الاقتصادية بين تركيا وبعض الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا، لذلك نرى أن معظم دول الاتحاد الأوروبي لا تشجع على قيام الحرب بين تركيا واليونان، رغم الانحياز الفرنسي لليونان. فهذا الاتحاد الكونفدرالي أو ما يُعرف اليوم بالقارة العجوز، على غير وفاق داخلي، ولم تعد بروكسل قادرة على توحيد التوجهات والمصالح، وهذا ما دفع بدولة عظمى مثل بريطانيا إلى الانسحاب منه، رغم ما ستتكبده من خسائر اقتصادية جراء ذلك. وأوروبا لديها من المشاكل ما يكفيها وهي ليست على استعداد للدخول في حرب مع تركيا. وإذا افترضنا حدوث مواجهة عسكرية بين تركيا واليونان، فإن أقصى ما ستفعله أوروبا، وتحديداً فرنسا، هو دعمها بالعتاد والأسلحة والمعلومات الاستخبارية، مع فرض عقوبات على تركيا. لهذا نجد أن أوروبا تمارس الضغوط الهادئة على تركيا، عكس الرئيس التركي أردوغان المستمر في إطلاق التصريحات المجعجعة والاستفزازية الجوفاء. ورغم تشدد الأتراك فقد رضخوا لأوروبا وسحبوا سفينة التنقيب من شرق المتوسط، على أمل بنيل ما يدعونه من حقوق اقتصادية هناك.

*كاتب إماراتي