منذ نهار الثلاثاء الفائت والحبر يسيل على الأوراق، حول الحدث التاريخي الذي جرت به المقادير في واشنطن من جراء المبادرة الإماراتية الشجاعة، تلك التي تجرأت على مخالفة المألوف والموصوف والمعروف من مقاطعة وحالة عداء أيديولوجي عند البعض، ولوجستي عند البعض الآخر، طال بها الزمن، ومن غير بادرة أمل.
درجت الإمارات في سياقها الإقليمي على أن تكون قوة معنوية وأدبية هائلة، خيرة ومغيرة في الوقت عينه، ومن هنا جاءت الخطوة التي استنقذت القضية الفلسطينية من الضياع في غياهب جب الكراهيات.
الذين قدر لهم متابعة أحداث توقيع الاتفاقيات بين الإمارات وإسرائيل من جهة، والبحرين وإسرائيل من جهة ثانية، لفَهِمَ أن الرجاء الإبراهيمي له مستقبل، وأن عالم الخصام لابد وان يتوارى.
أفضل ميراث تركه إبراهيم الخليل عليه السلام لأبنائه من بعده، هو رؤية التعايش والتعاون المشترك، وأحلام العبور على جسور جهة الآخر، تحمل معاول للزرع والحصاد معاً، وليس مناجل أو سيوفاً لتهلك وتفني وتبيد النسل والحرث.
جرب العالم العربي وإسرائيل طويلاً، وعلى مدى أكثر من سبعة عقود سياسة محاور المواجهة المسلحة، والمعارك الحربية، الأمر الذي عطل كثيراً النماء والبناء، وأعاق الاستقرار والاستمرار، واضحي الموت في الشرق عادة.
في هذا الإطار يعن لنا أن نتساءل:" ألا يحق للبعض أن يجربوا أفكاراً أخرى ابداعية «لا اتباعية» من خارج الصندوق البالي؟
الشاهد أن هذا هو ديدن الإمارات العربية المتحدة، تلك الدولة الديناميكية بقواها الناعمة، والتي فهمت أحاجي الزمن وتنبهت إلى علامات الأزمنة، وفي ما بينهما أدركت أنه حان الوقت لمساعدة الإسرائيليين انفسهم على المضي قدما في مسيرة سلام حقيقية.
يستنكر المرء ردات الفعل الفلسطينية الجوفاء، على الاتفاقين الأخيرين، لا سيما وأن المواقف الشعبوية من جهة والقيادات من جهة ثانية، لم تكلف نفسها قليلاً التفكر والتدبر فيما إذا كان فتح مسارب أمام الإسرائيليين أنفسهم لمراكمة توجهات سلامية، أمر سينعكس أيحابياً على مستقبل القضية الفلسطينية أم لا.
ليس خافياً أن هناك من اليمين المتشدد في إسرائيل من هو أشد أصولية من «داعش» و«القاعدة»، فكثيرة هي المجتمعات التي تعاني من التطرف، ولولا تماسك البنية الهيكلية للدولة هناك، لربما شهدنا انتشاراً كثيفاً لأفكار العنف.
حين تنص الاتفاقية بين الإمارات وإسرائيل على مواجهة ومجابهة العنف والتطرف، فإنها لا تحصر الأمر في الجهة العربية أو الإسرائيلية، ومن هنا يفهم القارئ أن أنفع وأرفع ما في الحدث الجلل، هو دفع اليمين الإسرائيلي إلى أقصى الزوايا، هناك حيث يمكن أن يقدر له أن يتقلص ويختزل، وبالقدر نفسه سوف تمضي الأحداث على الصعيد العربي، ما يعني أن الأمل ستكون له طاقة من ضوء القمر على أودية وسهول الشرق الأوسط الجديد.
سلام الإمارات وإسرائيل القائم على الرجاء الإبراهيمي، حكماً سوف يجابه بتحديات عميقة، وهذا أمر طبيعي لا سيما في ضوء عقود طوال من الإرث السيئ الذكر، كما أن قوى إقليمية بعينها، لا تحمل خيراً للعرب في ماضي الزمان ولا حاضره أو مستقبله، ستحاول جاهدة أن تضع العصا في الدواليب كما يقال.
لكن المؤكد هو أن الإرادات الصالحة ستهزم ولا شك التوجهات الطالحة، فالأصل في الأمور هو الخير، والشر عرض إلى يوم يبعثون.
*كاتب مصري
 
 
685x510
822.97KB