على رسلك، سيعتني الزمن بك ويعتني بالحب الذي تهاوى كدموع الشمعة ليَرسخ في الشمعدان، ويقبض على لحظته كي لا يسرقها الموت، ويئن الوقت في صدرك كحرارة الصيف في الصحراء، كالإحساس بالبرد القارس في الشتاء.
هي الأشواق تعود دائماً، تختلس لحظة صمتك أحياناً لتقرع جرس الحنين والكلام، الذي لم يزل يَعزف في أذنك لحن البحر وصفق الريح والأغاني القادمة من قاع القلب.
هي الأشواق تعود، وتختلس أيضاً، انشغالاتك في الحياة وفوضى الثواني والدقائق والساعات، تعود في إيقاع غير متزن ومرتبك، يملأها الخوف من ألا تجد لها في روحك ذاكرة، ولا حتى تعود تتذكر لا الحروف ولا الأسماء.
على رسلك، لا تذهب في هذا المدى الشاسع وحيداً، لا تجعل السنين عجافاً، لا تفطر قلبك بالفقد، وتتيه منك بوصلة العودة وتَفرغ زوادة العمر وقوة الحياة فيك، لا تنهرْ، لا تجف كشجرة عالية كثيرة الأغصان انحسر ماؤها واخضرارها. 
هي الأزمنة هكذا، بدروبها المتشعبة والغريبة والمفاجئة، الدروب المدركة وغير المدركة، بفرحها وفاجعاتها وويلاتها، بأحزانها وأفراحها المتقطعة، باعتلالاتها باتساعها وتواليها وتعددها اللامنتهي.. الزمن يوجه سيرنا، ويحدث أن يقتنص أجمل ما فينا ويمضي تاركاً لنا قسوة الثلج في كل الشرايين.
إذاً على رسلك، لا تترهل وتضيع منك الأحاسيس، وينهار في داخلك الشغف، ينكسر المشهد أمامك وتحلق الطيور بدونك، فلا تعود ترى المشاهد الساحرة، وهي تتشكل في بهاء الطبيعة، بين الماء والنار والهواء والرمل.. لا تدع وقوفك في طابور الوجع طويلاً، لا تسكت عن السهم، الذي أصاب جناحك؛ انتزعه، انتزعه، انتزعه أيها الجميل وارقص أمام الموت رقصتك الجديدة.. قبِّل وجه الحياة، وليكن الشروق وجهتك، حتى تلمع عيناك بخيوط الشمس؛ استنشق الهواء من الأعالي والتفت للجمال كله، وهو يسكن صدرك من جديد ويحرك أصابعك، كي تكتب القصيدة بحروفها وألوانها وكلماتها، بصورها ومشاهدها وإيقاعها الخارج عن المألوف.
وعندما تعود سوف ينساب دمع الشمعة من على الشمعدان ليعيد تكوينها، لتضيء، لتنير العتمة التي تسكن في طريقك، تنير دون أن يمسها الوهن، ولا تجف دموعها على الشمعدان؛ شمعة أسطورية لا تسيح ولا يسكت نورها.