شكل أمس الثلاثاء، الموافق الخامس عشر من سبتمبر 2020، أحد الأيام المفصلية في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، ذلك اليوم الذي وقعت فيه دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، كل على حدة، اتفاقاً للسلام مع إسرائيل، لتشهد المنطقة بالفعل مرحلة جديدة في مسار السلام. 
لقد انطلق قطار السلام بهذين الاتفاقين التاريخيين، ليس فقط لكونهما يحظيان بتأييد دولي واسع، وإنما أيضاً لأنهما يمهدان الطريق نحو تغيير مستقبل المنطقة، يرتكز على السلام الشامل والمستدام الذي يضمن للجميع التعايش، بعيداً عن الكراهية والتعصب، ويفتح آفاقاً جديدة للتعاون بين دولها.
وتوجه الإمارات، ومملكة البحرين، نحو إقامة سلام حقيقي مع إسرائيل يعبر عن جرأة سياسية غير مسبوقة، ويجسد منظوراً جديداً في السياسة العربية، يتسم بالواقعية والقراءة الدقيقة لتطورات الأوضاع في المنطقة والعالم، والاستفادة من التجارب المختلفة في إدارة الصراعات، والتي تؤكد أن الابتعاد عن نهج الحوار والتفاهم والتواصل لم يؤد إلا إلى المزيد من الصراع، بينما يقود الاشتباك مع الصراعات ومحاولة إيجاد حلول لها إلى تفاهمات مشتركة تدفع في اتجاه حلها، بعيداً عن منطق القوة والإملاءات، ولهذا فإن السلام هو الطريق الحقيقي للأمن والتنمية والاستقرار، وأن من الأفضل والأجدى لدول المنطقة الانخراط الواقعي مع قضاياها «المعلقة» منذ سنوات. 
لقد جاء هذا المنظور الواقعي الجديد في السياسة العربية، بعد قناعة راسخة أن الوضع الذي آلت إليه القضية الفلسطينية وعملية سلام الشرق الأوسط بوجه عام، بات في حاجة إلى رؤية مختلفة، بعدما أظهرت خبرة السنوات الماضية أن «حالة اللاسلم»، وما ارتبط بها من رفض للتطبيع والمقاطعة الاقتصادية لم تضر بإسرائيل بقدر ما أضرت بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، بل إنها، وللأسف، كانت ورقة رابحة في أيدي المتاجرين بهذه القضية، وتوظيفها في تحقيق أجندتهم الخاصة، وصرف الأنظار عن مشروعاتهم وسياساتهم العدائية في المنطقة.
السلام مع إسرائيل لا يعني، بأي حال من الأحوال، التخلي عن الثوابت الراسخة في دعم القضية الفلسطينية، ومساعدة الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وإنما هو الأساس في تحقيق هذه الأهداف، فالإمارات ربطت اتفاق السلام مع إسرائيل بتخلي الأخيرة عن «خطة الضم»، والتوقف عن قضم أراضٍ فلسطينية جديدة إليها، فيما أكدت مملكة البحرين أن اتفاق السلام مع إسرائيل لا ينفصل عن أهداف المبادرة العربية، ويضمن حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق. كما أن هذا السلام في الوقت ذاته، هو الطريق الصحيح لتحقيق تنمية شاملة ونهضة حقيقية تستفيد منها شعوب المنطقة، والمدخل لتجاوز الصراعات، وتفويت الفرصة على قوى التطرف والإرهاب التي تستثمر في الأزمات والصراعات في نشر أيديولوجياتها التي تحض على العنف وتنشر الكراهية. 
ولا شك أن الشرق الأوسط على أعتاب مرحلة جديدة، ومرشح لتحولات جيوسياسية واستراتيجية خلال الفترة المقبلة، لأن قطار السلام الذي تقوده الإمارات، وانضمت إليه مملكة البحرين، وقد تتبعهما دول أخرى في المستقبل، سيعيد رسم خريطة المنطقة وتحالفاتها، وبالشكل الذي سيرسخ من آمال تحقيق السلام وتعزيز آفاق التعاون الإقليمي، خاصة أن اتفاقيات السلام الجديدة مع إسرائيل تؤكد على الثوابت والمرجعيات الرئيسية المتعارف عليها، سواء قرارات الأمم المتحدة أو مبادرة السلام العربية، والتي تقر جميعها مبدأ حل الدولتين والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. 
الإمارات التي تقود قطار السلام الآن، قادرة على تغيير وجه المنطقة، والتأسيس لسلام حقيقي يشمل دول المنطقة بأسرها، ليس فقط لأن رؤيتها الواقعية في بناء السلام تحظى بقبول وتأييد دولي واسع، وإنما أيضاً لأنها تمتلك المقومات التي تساعدها على ترجمة هذه الرؤية على أرض الواقع، فهي أولاً قوة فاعلة ومؤثرة في ترسيخ أسس الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي، وثانياً أنها توصلت لاتفاق السلام مع إسرائيل من منطلق قوة وليس ضعفاً، ولهذا ربطت بين التقدم في مسار العلاقات معها وبين الالتزام بالتوقف عن ضم أراضٍ فلسطينية جديدة إليها. وثالثاً: تمثل الإمارات تجربة تنموية ناجحة بكل المقاييس، بما تملكه من اقتصاد قوي ومستقر، وتقدم تكنولوجي في المجالات كافة، ومشروعات عملاقة في مجال الطاقة النووية السلمية والفضاء، ولهذا فهي قادرة على فتح آفاق جديدة للتعاون الإقليمي الأوسع، والاستفادة من الخبرات والمزايا النسبية لكل دول المنطقة، بما فيها إسرائيل، في بناء نهضة حقيقية تغير وجه المنطقة بأسرها.
*إعلامي وكاتب إماراتي