ربما يجد المرء صعوبة في الحديث عن السلام مع إسرائيل، نتيجة واقعية لما تم شحنه في الذاكرة من وجود بعبع على الأرض يسبب الامتعاض، هذا هو العصاب القهري الذي أفرزه تاريخ من اللعنات على الآخر، وهذه هي الهوة التي وقع فيها الوجدان العربي جراء كتلة من الشحنات ذات الغبار الكثيف، ما جعل العقل في مأزق الرؤيتين، ولكن اليوم ونحن نزيح عن الخاطر هذه الملاءة الرثة، والقديمة قدم الشعارات المبتذلة نجد أنفسنا في حل من تاريخ، ربما تجسدت صورته في شكل الجنية (أم الدويس)، وهي الخرافة نفسها التي كرسها واقع عربي مؤثث بمشاعر طقوسية، بارزة أمام العيان، جعلت جيلاً من أبناء العروبة، يغوصون في حثالتها، ويمعنون النظر في مشهدها المرعب، والمزري ما سبب غشاوة سميكة تبعد الإنسان عن الواقع، وتجعله في كهف الكينونة الضعيفة والمنتهكة أخلاقياً، ودينياً، وثقافياً، الأمر الذي يجعل الاختراق بقدر ما هو عصيب، فهو أيضاً ثري بمعطيات الواقع المبشر بألف، ألف خير، لأن التجربة التاريخية أثبتت بأن العرب وقعوا في ورطة الوهم التاريخي، ومكثوا بعيداً عن الواقع إلى درجة أن لفظهم هذا الواقع، وجعلهم في قائمة النبذ والإقصاء عن المشاركة في صناعة المستقبل، والذي تسعى إليه الأمم لطرد الخوف من الزوال.
اليوم والإمارات تخطو الخطوة الجريئة، وتقف على قمة الهرم في الابتعاث، وعودة الصرامة الذاتية، والنهي عن منكر الشعارات الصفراء، والتي طالما ضللت، وأغوت، وأغرت على السير إلى الحفر السوداء، فنحن اليوم مطالبون جميعاً أمام الله، والضمير، بأن نعيد لأولئك الذين أهدرت دماؤهم عبثاً، والذين فقدوا المصير، والذين ناموا في عراء الحيلة والتبصر، واختيار الطريق الصحيح، نحن مسؤولون عن أجيال دخلت الغرف السوداء بسبب مفاهيم مغلوطة، وقيم منحطة، سورت الأعناق، والأشواق، حتى تصحرت النفوس، وتلظت العقول، وتشظت القلوب، بفعل فاعل اختبأ في خنادق الخوف، وترك الأبرياء يهيمون في منافي البغض، والحقد أملاً في أن يتحقق ما يريدون، ويأملون، ولكن ليس من طبيعة الكراهية أن تحل معضلة، إذا لم تؤججها، وتهلك صاحبها، وتجعله في أسفل السافلين.
خطوة الإمارات، قفزة الجياد باتجاه غد يفيض بالآمال، والأمنيات المشرقة، هذا إذا تضافرت الجهود، والتأم شمل العرب على كلمة الفصل، والتخلي عن التبجح، والتأرجح بين القيل، والقال، وسوء المقال.