مصائب قوم عند قوم فوائد. هذا ما يمكن أن نقوله في حق بعض الشركات العالمية التي تفوق ميزانيتها ميزانية بعض الدول. فشركة «أبل» الأميركية، مثلاً، أضحت أول شركة أميركية مدرجة تصل قيمتها السوقية إلى تريليوني دولار، كنتيجة لاستفادة بعض الشركات العالمية من تداعيات التغيير الذي جاء به فيروس كورونا. فقد ارتفع سهم الشركة ليصل إلى 467,02 دولار. وللتذكير، كانت «أبل» أول شركة تكنولوجيا أميركية تصل قيمتها إلى تريليون دولار منذ سنتين ونصف. ومع هذا الإنجاز التاريخي، لا يجب أن ننسى إنجازات شركات أمازون ومايكروسوفت وغوغل، وجميعها تخطت قيمتها السوقية تريليون دولار، وهاته الشركات الأربع هي الأهم في الولايات المتحدة الأميركية، بل وفي العالم، وهي تعرف اختصاراً بـ«غافا». وتسيطر هذه الشركات على طريقة تواصل أغلب سكان كل القارات، وتتحكم في طريقة تعلمهم وتواصلهم وعملهم وتسوقهم. ولشركة أمازون، مثلاً، 150 مليون مشترك في خدماتها، وتوظف مليون شخص حول العالم، ويشترك ثلاثة مليارات شخص حول العالم في تطبيق فيسبوك، الذي تسيطر من خلاله الشركة على ربع سوق الإعلانات الإلكترونية في العالم. أما شركة غوغل، فيُستخدم محركها في 90% من عمليات البحث على الإنترنت.
وازدادت أرباح بعض شركات التكنولوجيا بسبب ازدياد الطلب على الخدمات التي تسديها والمنتجات التي تضعها رهن إشارة زبائنها، إلا أن أبل تفوّقت على منافسيها، عبر مبيعات منتجاتها، إضافة إلى التطبيقات الجديدة، والخدمات التي اكتسبت مكانة صلبة خلال أزمة كوفيد-19، وخاصة مع انتقال الناس إلى العمل من المنازل، وسط تفشي الوباء، واتباع إجراءات التباعد الاجتماعي.
ومن منتجات أبل التي حققت أرباحاً طائلة، هناك الهاتف الذكي، الذي تقوى بمبيعات «آيفون إس إي» الجديد، وهناك أجهزة آيباد اللوحية وحواسيب ماك، لتلبية الطلب للتعليم عن بعد والعمل من المنزل. ‬وشكّلت ‬الخدمات ‬أكثر ‬من ‬خمس ‬عائدات ‬أبل، ‬مع ‬توسع ‬قطاعات ‬الموسيقا ‬والدفعات ‬الرقمية ‬والبث ‬التدفقي، ‬مما ‬عزز ‬مداخيل ‬أبل ‬ستور. ‬وتتقدم ‬أبل ‬سوق ‬الساعة ‬الذكية، ‬وسط ‬زيادة ‬الاهتمام ‬بتطبيقات ‬الصحة ‬واللياقة ‬البدنية.
كما أن أحد العوامل الرئيسية لنجاح أبل يتعلق بقيادة السيد كوك الذي تولى إدارة المجموعة قبيل وفاة ستيف جوبز في 2011. ‬وهذا ‬الرجل ‬ليس ‬من ‬مؤسسي ‬أبل، ‬لكنه ‬نجح ‬في ‬إيصال ‬الشركة ‬إلى ‬بر ‬الأمان، ‬وراتبه ‬البالغ ‬ثلاثة ‬ملايين ‬دولار ‬في ‬2019، ‬إضافة ‬إلى ‬مكافآت ‬بقيمة ‬7,6 ‬ملايين ‬دولار، ‬يعد ‬متواضعاً، ‬بحسب ‬معايير ‬سيليكون ‬فالي ‬والمطلعين ‬على ‬رواتب ‬المديرين ‬وأصحاب ‬الابتكارات ‬في ‬المجموعة. ‬لكن ‬ارتفاع ‬قيمة ‬أسهمه ‬أدخله ‬نادي ‬أصحاب ‬المليارات، ‬للمرة ‬الأولى.
وقد عرف مجلس النواب الأميركي، مؤخراً، جلسةَ استماع تاريخية، بناءً على اتهامات مختلفة أطلقها الأعضاء «الديمقراطيون» و«الجمهوريون» ضد ممارسات شركات التكنولوجيا الأربع الكبرى، وبعد تحقيقات أجرتها وزارة العدل، واستمرت لأكثر من سنة، حول سياسات هذه الشركات الاحتكارية، بطلب من لجنة مكافحة الاحتكار التابعة للجنة القضائية في مجلس النواب. وفحصت التحقيقات 1.3 مليون وثيقة، واستغرقت مئات الساعات من جلسات الاستماع والإحاطات السرية. وفي هذا الفيلم الواقعي وغير المسبوق أمام اللجنة القضائية في مجلس النواب، شارك تيم كوك من شركة آبل، وجيف بيزوس من أمازون، ومارك زوكربيرغ من فيسبوك، وسوندار بيشاي من شركة غوغل، في الجلسة التي شاهدها الملايين حول العالم. 
جلسة الكونغرس كانت مخصصة في الحقيقة لبحث قضايا التربح من فيروس كورونا، والاحتكار الذي تمارسه كبريات شركات التكنولوجيا، لكن حسب علمي، لم يخرج شيء من جلسة الاستماع هاته، فقد أجاب رؤساء الشركات على الأسئلة بذكاء، كما لعبوا جميعاً على وتر القومية والوطنية، من خلال حديثهم على أن شركاتهم تعد شركات أميركية بامتياز، وهي جزء من التجربة الأميركية التي تقدس النجاح والابتكار والتوسع والنمو، كما أجمعوا على عدم جعل الصين تتفوق على أميركا، وعلى أن شركاتهم تخلق مئات الآلاف من الوظائف داخل الولايات المتحدة، وملايين الوظائف خارجها.. فلا يمكن أن يخرج أي شيء من مثل هذه الجلسات، لا في الحاضر، ولا في المستقبل، لأن هذه الشركات هي العولمة بنفسها، فلا توجد عائلة اليوم في الحواضر والبوادي، وفي جميع أنحاء العالم، لا تستعمل إحدى منتوجاتها، وهي التي تضع القواعد وتصوغها بالطريقة التي تريد.

*أكاديمي مغربي