تُمثّل السياحة العلاجية مجالاً جديداً تُثبت فيه دولة الإمارات العربية المتحدة تفوقها وتميزها، وقدرتها على تنفيذ ما تهدف إلى الوصول إليه عبر التخطيط الدقيق والتنفيذ السليم؛ فقد تصدّرت دولة الإمارات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والمنطقة في قائمة أفضل الوجهات، وفق «مؤشر جمعية السياحة العلاجية» الصادر مؤخراً. و«جمعية السياحة العلاجية» هي منظمة أميركية غير ربحية أُسّست قبل اثني عشر عاماً، وقد ضمّ المؤشر في إصداره الثالث 46 وجهة عبر العالم، رُتِّبت وفق تفضيل الأميركيين لها، بناءً على ثلاثة محاور أساسية، هي: جاذبية وجهة العلاج، وإجراءات السلامة فيها، وجودة الرعاية الصحية التي يتلقّاها المريض. وقد احتلت دبي المرتبة السادسة في هذا الإصدار، فيما احتلت أبوظبي المرتبة التاسعة. 
وتعكس المرتبة المتقدمة لدولة الإمارات الجهود التي بُذِلت لوضع الدولة على خريطة السياحة العلاجية في العالم، باعتبارها مصدراً لتنويع الدخل يُحقق بشكل كامل هدف «اقتصاد تنافسي معرفي مبني على الابتكار»، وهو أحد محاور «الأجندة الوطنية 2021»، التي نصّت على مواصلة جهود «الانتقال إلى اقتصاد قائم على المعرفة، عبر تشجيع الابتكار والبحث والتطوير، وتعزيز الإطار التنظيمي للقطاعات الرئيسية، وتشجيع القطاعات ذات القيمة المضافة العالية».
وتعتمد جاذبية دولة الإمارات في السياحة العلاجية على جودة الخدمات التي تقدِّمها؛ إذ تضم عدداً من المراكز الطبية الكبرى الحاصلة على «شهادة الاعتماد الدولي» من اللجنة المشتركة الدولية JCI، كما استقطبت الدولة مؤسسات طبية ذات مكانة عالمية مرموقة، مثل كليفلاند كلينيك الذي يُقدِّم خدمات طبية نوعية منذ سنوات في إمارة أبوظبي. ويُضاف إلى ما سبق تنافسية أسعار الخدمات الطبية، وقِصَر فترة الانتظار، ووجود شبكة واسعة من المؤسسات الطبية تغطي مختلف مدن الدولة ومناطقها، إلى جانب الإمكانات السياحية الكبيرة التي تلائم المرضى وعائلاتهم، والبيئة الآمنة المتسامحة المتعددة الثقافات، ما يمنح تجربة العلاج ميزات إضافية.
وقد بدأت عملية تعزيز الإطار التنظيمي على المستويين المحلي والاتحادي قبل سنوات، حيث أَسّست دبي عام 2014 «مجلس دبي للسياحة الصحية»، التابع لهيئة الصحة بدبي، بهدف وضع الإمارة ضمن وجهات السياحة العلاجية الأولى في العالم. وحُدِّد عددٌ من التخصصات الطبية التي تمتلك دبي قدرة على المنافسة العالمية وتحقيق الجودة العالية فيها، وهي: الإجراءات التجميلية، والاستشفاء والتعافي والفحوصات الطبية، وجراحات العظام، وطب وجراحة العيون، وطب الأسنان، والأمراض الجلدية والعناية بالبشرة، والتقنيات المساعدة على الإنجاب.
وفي الاتجاه ذاته، تنطلق أبوظبي في سعيها إلى أن تكون مركزاً للسياحة العلاجية، استناداً إلى جهد مشترك بين «الجهات الفاعلة الرئيسية في مجال السياحة والرعاية الصحية لتقديم منتج السياحة العلاجية المتخصص العالي الجودة للمرضى الذين يرغبون في الحصول على أفضل الخدمات والرعاية الصحية في أكثر مدن العالم ازدهاراً وأماناً». وقد استضافت أبوظبي عدداً من الأنشطة والفعاليات العالمية الكبرى في مجال السياحة العلاجية، مثل «المؤتمر العالمي للسياحة العلاجية والرعاية الصحية» في الفترة 15-17 أكتوبر 2019، وشاركت فيه وفود من 100 دولة، تمثل المستشفيات وشركات التأمين والمؤسسات الحكومية. وخلال المؤتمر أعلنت دائرة الصحة في أبوظبي توافر «250 باقة تخصُّصية في منصة السياحة العلاجية يقدمها نحو 40 مزوداً»، مؤكدة أن «الجودة» هي أهم العناصر التي تعتمد عليها أبوظبي في اجتذاب السياحة العلاجية. وأشارت الدائرة إلى استقطاب مرضى من 93 دولة، وأن أكثر من 20 ألف «سائح علاجي» وفِدوا إلى أبوظبي عام 2018، بزيادة تبلغ 20% مقارنة بعام 2017. لقد أشارت تقديرات إلى أن ما تُنفقه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية على علاج مواطنيها في مختلف دول العالم يصل إلى 20 مليار دولار؛ ولذا عملت الخطط الصحية في دولة الإمارات على تحويل السياحة العلاجية المتنامية عالمياً إلى مصدر للدخل، بدلاً من أن تكون مصدراً لنزيف اقتصادي، في تطبيق نموذجي لمبدأ «تحويل التحديات إلى فرص»، وهو مبدأ يتقن تنفيذه صُناع النجاح.