أكثر من 10% من الأميركيين قالوا إنهم فكرواً جدياً في الانتحار في الآونة الأخيرة. وهذه الإحصاءات المثيرة للقلق، والمستقاة من مسح يعود إلى شهر يونيو الماضي، جاءت في تقرير صدر هذا الشهر عن «مراكز التحكم في الأمراض والوقاية منها»، ويظهر أن الصحة العقلية للسكان تدهورت كثيراً أثناء الجائحة. 
وللأسف لا توجد نهاية في الأفق لعدم اليقين الاقتصادي، ناهيكم عن الخوف من المرض والموت. وإذا استمر الذين بلا عمل هكذا عاطلين لفترات أطول، سيعاني عدد أكبر من الناس من الاكتئاب والقلق ومشكلات نفسية أخرى. وتقرير «مراكز التحكم»- وهو مستقى من مسح على الإنترنت وربما لا يمثل بشكل كامل السكان الأميركيين- لم يعثر على رابطة بين عمل أو بطالة المرء وبين تقييمه لصحته العقلية. فهناك الكثير مما يصيب المرء بالاكتئاب على أي حال. وهناك عدد كبير من الناس لديهم وظائف- ومن بينهم كاتب هذه السطور- ينضوون في النسبة البالغة 13% ممن يحاولون التكيف مع الضغط المتعلق بالجائحة. 

لكن في مناقشة الطوارئ الاقتصادية التي تواجه الولايات المتحدة، نحتاج إلى توجيه المزيد من الانتباه إلى تأثيرات البطالة طويلة الأمد على صحة الناس ومنها الصحة النفسية. ففي ورقة بحثية لعام 2012، درس الاقتصاديْان تيموثس كلاسين وريتشارد دان تأثير فقدان الوظائف وطول مدة البطالة على احتمال حدوث انتحار في الولايات المتحدة. وفحصا عمليات الإقالة الجماعية- حين يتقدم أكثر من 50 عاملاً لدى صاحب عمل واحد بطلب إعانة بطالة في فترة 30 يوماً- ووجدا أن احتمال الإقبال على الانتحار لا تزيد في الفترة التالية مباشرة لترك العمل. 

بل اتضح أن الفترات الأطول من البطالة هي العامل الأساسي المؤثر في زيادة معدلات الانتحار. وتحديدا رصدوا وفاة إضافية بالانتحار لكل 20 ألف عامل تقريبا تعطلوا عن العمل ما بين 15 و26 أسبوعاً. وكلما استمر الضعف الاقتصادي الحالي، أصبحت فترات البطالة الطويلة أكثر شيوعاً. وفي مارس، حين بدأ كساد الجائحة، كان هناك 808 آلاف عاطل لفترة من 15 إلى 26 أسبوعاً. وفي مايو، بلغ معدل هؤلاء 1.1 مليون، فالمعدل لم يرتفع كثيراً لأن الركود الاقتصادي لم يكن مر عليه سوى شهرين. لكن في يوليو الماضي، ارتفع عدد العاطلين لمدة تتراوح ما بين 15 و26 أسبوعا إلى 6.5 مليون. والأدلة تشير إلى أنه سيأتي في أعقاب هذا زيادة كبيرة في عدد العاملين الذين يعانون ضعف الصحة العقلية. 

ويرجح أن تتدهور الصحة البدنية أيضا للعاطلين. فقد توصل الاقتصاديان دانيال سوليفان وتيل فون واتشر إلى أن العمال الرجال في ثمانينيات القرن الماضي الذين عملوا لفترة طويلة مع أصحاب عمل معينين، زادت احتمالات معدل الوفاة بينهم من 50% إلى 100% في السنوات التالية مباشرة لفقدان العمل الذي كان جزءاً من عمليات إقالة جماعية أو لأسباب مشابهة. والتحدي أمام اليمين الأميركي الآن على الأقل هو منع نوبات البطالة القصيرة التي يكابدها ملايين العمال من أن تصبح أزمة بطالة طويلة الأمد. ولمعالجة هذه المشكلة، يتعين على المسؤولين العموميين والمواطنين القيام بثلاثة أمور على الأقل. 
أولا: يجب على الكونجرس التحرك بسرعة لدعم الاقتصاد. وكلما تم التعجيل بوصول الدعم الإضافي، أصبح الاقتصاد أقوى وأسرع في التعافي، مما يؤدي إلى بطالة أقصر أمداً. ومن المهم في صفقة التعافي ألا تتم إطالة أمد الدعم الاتحادي البالغ 600 دولار أسبوعياً الذي يضاف إلى إعانات البطالة التي تقدمها الولايات. فمع استمرار الاقتصاد في التعافي واشتداد قوة سوق العمل، ستُبقي إعانات بمثل هذا السخاء معدل البطالة عالياً وتطيل أمده. ويجب على الكونجرس العثور على وسائل أخرى لدعم إنفاق المستهلك ومساعدة الأميركيين منخفضي الدخل. 
ثانيا: ليس من السابق لأوانه أن نفكر في إجراءات لمساعدة الأميركيين العاطلين الذي سيواجهون وقتاً أصعب للعودة إلى العمل بأجر. ويجب على الكونجرس التفكير في برامج للتدريب واكتساب المهارات تساعد العاطلين الذين سيتعين عليهم تغيير قطاع العمل. كما قد يواجه الأشخاص الذين يعيشون في مناطق أسواق عملها أسوأ، وقتاً أصعب نسبياً في العودة إلى العمل. ومع استمرار التعافي، ستعود الأسواق إلى طبيعتها في بعض الولايات بسرعة أكبر من الأخرى. ولذا فمما يدعم الاقتصاد ككل ويخفف أيضا حدة التأثير المدمر للبطالة لفترة طويلة على الأفراد، أن نضع سياسة تقدم للعاطلين في مناطق بها بطالة مرتفعة مساعدات تمكنهم من الاستقرار في مكان آخر. 
وأخيراً: كلما اشتد الوباء، ضعف الاقتصاد وتضررت حياة العمال، فالجائحة تؤثر على الصحة البدنية والنفسية للعمال، وهذه أسباب إضافية تدعو إلى السعي لإبطاء انتشار الفيروس.
*مدير دراسات السياسات الاقتصادية في معهد أميركان انتربرايز.
ينشر بترتيب خاص معع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»