عبارة المحامل باللهجة الإماراتية تعني الزوارق أو السفن الخشبية، بالأمس كانت لي نجوى وحديث داخلي قديم، أهازيج مرّت بي وأناشيد بحرية طافت بي أيضاً، من غابر ترديدات البحّارة وهم يقطعون خور غناضة أو عابرين بين غرابي والجزر الكثيرة في أبوظبي أو حتى عبور المقطع القديم وخور القرم هناك. قديم أهلنا هناك ونشيد زوارقهم بالتأكيد لا يحفظه الآن سواء أحفاد البحارة القدامى جداً، من يتذكر غناء المتعبين من تجديد (البيلي) أو الشاحوف أو حتى البانوش، هجاء الزوارق والبحر؟ من يعيد لنا تلك الأهجوزة القديمة، ربما لم يتبق غير نفر قليل من أبناء البحارة في البطين أو أم سقيم أو أم القيوين، هناك حيث تسكن الذاكرة القديمة، الذين عبروا خور أم النار وغناضة والبحر الممتد الضحل بين الجزر الكثيرة تركوا نشيدهم القديم تحت شجرة قرم عتيقة وبالتأكيد حفظت النشيد.
تقول قصيدة/‏ أهزوجة التجديف البحري الهادئ والمتوحد مع البحر وأصوات المجاديف في البحر، تقول: «الهوري طبعنه، احريم السودان، حلفن ما يركبنه هذي السنة والعام» تخبرنا الأهزوجة أن البحر قديماً للبحارة جميعاً رجال ونساء، خاصة في المناطق البحرية الجميلة والخيران والجزر، كانت يداً واحدة لا تعرف غير الحب والعمل والحبور، النساء تعبر بزوارق الصيد الصغيرة، بالهوري زو البانوش لتستمر الحياة، كل التبدلات والنواهي والموانع جاءت مع أغراب حملوا التشدد على أذرعهم وزرعوه هنا وهناك. كان الساحل أجمل وأروع وأبهى بناسه الطيبين، جذور الغاف، والقرم والنخيل، توقفت في ظل قارب قديم ينام على السيف بعد أن ودع شبابه في البحر وصراع الأمواج والريح، زورق شهد كل السباقات القديمة منذ أن أطلقها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، زورق حمل شراعه الأبيض الكبير وقطع عباب البحر مع زرافات من الزوارق، وكانت وقتها البشارة بالعناية بالزوارق الخشبية القديمة وأيضاً السباقات الشراعية القديمة التي امتدت حتى الآن. دائماً الحب والاهتمام يصنع الحياة ويلونها، لم تكن فكرة عابرة، إنما كانت تجديداً لتراث مهم وحماية له من عاديات الأيام، هكذا ولدت في الإمارات أفكار خالدة وداعمة ومهمة. ليس التراث أن تعيد التفرج على قديمك والتغني به فقط، وإنما كيف تجدد برامجه.
لا بأس أيها الزورق الهوري القديم إن أناخك الوقت أو دعوك للاستراحة والتقاعد وجلست تتفرج على البحر والأمواج التي تعبر أمامك، لقد قدمت لنا الفرح يوماً ونشرت الحماس والحب في صدورنا ونحن نصفق للأشرعة على الشاطئ أو شاشات التلفزة، كنت تبعث فينا ذاكرة أولئك الآباء والأجداد من البحّارة وتصنع شباباً جدداً سيكونون للبحر والزوارق وأيضاً البوارج التي تحرس هذا الوطن العزيز من الغربان.