كان غريباً بعض الشيء، بدء الموجة الجديدة من العقوبات الأميركية على أنصار «حزب الله» ومعاونيه، في محيط كلٍ من الرئيس نبيه بري (مساعده وزير المالية السابق علي حسن خليل)، وسليمان فرنجية (مساعده وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس)، ففرنجية هو الأرجح حظاً كمرشح لرئاسة الجمهورية بعد نهاية فترة عون، والانكسار الهائل الذي أصاب جبران باسيل صهر الرئيس، أما الأهم على الساحة السياسية اللبنانية الآن فهو نبيه بري ولا شك، فهو حامل حقيبة أسرار ومصالح الثنائي الشيعي، وهو رئيس مجلس النواب، وهو الوسيط الحالي لدى سائر الأطراف في تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، بل هو أيضاً وكيل الحزب في التفاوض مع الأميركيين من أجل ترسيم الحدود مع إسرائيل! 
عندما جاء ماكرون إلى لبنان وطرح أفكاره ومبادراته، والتي تتضمن تعويماً لـ«حزب الله» وعون، جرى التساؤل عن مدى التنسيق مع الولايات المتحدة، وقد أجاب الأميركيون إجابات محدودة: هم يؤيدون قيام حكومة إنقاذ من اختصاصيين تُجري الإصلاحات المطلوبة، لكي يستطيعوا هم وغيرهم تقديم المساعدة للبنان في محنته، وعندما جاء ماكرون في المرة الأولى، تبعه ديفيد هيل نائب وزير الخارجية الأميركي، وما قال شيئاً عن أفكار ماكرون، بل قيل إنه جاء لمتابعة المفاوضات بشأن ترسيم الحدود مع إسرائيل، لكنه ما لبث أن غادر دون خبرٍ عن التقدم أو التأخر في الأمر، وعندما جاء ماكرون للمرة الثانية تبعه «ديفيد شينكر» وكيل وزارة الخارجية الأميركية، والذي قام بتحركات غريبة، فمن الرسميين ما قابل غير قائد الجيش، ثم عقد عدة اجتماعات مع «آل الجميّل» و«حزب الكتائب»، ومع جماعات من الحراك الثوري، ثم غادر ووعد بالعودة بعد شهر! لكنه حرص قبل المغادرة على التهديد بالعقوبات الآتية، وقد أتت طليعتها بالفعل ضد بري وضد فرنجية، وليس ضد جبران باسيل وشخصيات من التيار الوطني الحر مَثَلاً؟! 
عند المؤمنين بـ«ثورة التغيير» الترامبي تفسيرٌ آخر، هم يقولون إنّ الأميركيين هم مع الثوار الذين يقولون: (كلن يعني كلن)، فهم يريدون ضرب كل الطبقة السياسية القائمة، وقد سبق لهم أن أظهروا الانزعاج الشديد من الاعتداء على المتظاهرين بالرصاص الحي من جماعة بري، فالضربة الموجهة لبري تعني إرادتهم الدفع باتجاه الانتخابات النيابية المبكرة. والاعتداء على فرنجية يعني استحالة ترشحه لرئاسة الجمهورية، وأنهم يريدون رئيساً جديداً من خارج الطبقة السياسية القائمة، وستأتي عقوباتٌ في الأسبوع القادم على بقية الأطراف السياسية، للمساعدة في إزالة الطبقة كلها، والذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة، ثم انتخابات رئاسية من خارج الشخصيات الموالية لـ«حزب الله وللنظام السوري. 
فلننظر في ردة فعل سليمان فرنجية، ونبيه بري، فرنجية قال إنه سيظل أميناً للتوجهات السيادية(حزب الله)، وللتوجهات القومية( النظام السوري)، أما مجلس رئاسة حركة أمل فأصدر بياناً عنيفاً، قال فيه إنّ المقصود تعطيل ترسيم الحدود التي جرى الاتفاق عليها في 9/7، والمقصود تعطيل إقامة حكومة الإنقاذ التي يبذل الرئيس بري الجهود الأساسية للتوسط مع سائر الأطراف في إنشائها للإنقاذ الوطني، وما نسي بيان رئاسة الحركة بالطبع الإشادة بعلي حسن خليل، والسيادة والاستقلال! 
هل سيتعطل تشكيل الحكومة أو يتأخر؟ وماذا تكون ردة فعل حزب السلاح، وردة فعل رئيس الجمهورية؟ رئيس الجمهورية ليس مسروراً بفكرة الحكومة الصغيرة، ولا بالمداورة في الوزارات، وهو مصرٌّ على المطالبة بالمالية والداخلية، لتبقى لباسيل في النهاية وزارة الطاقة، أما الحزب فقد ارتاح لمبادرة ماكرون، واعتبرها فرصة شهرين لحين إجراء الانتخابات الأميركية، وما دام الجميع الآن منزعجين وخائفين، فلماذا يقبل بحكومة ليست له مشاركة فيها من قريب أو بعيد؟ ثم لو كان الحزب لا يزال متحمساً للحكومة الاستثنائية فلماذا هذه العراضة التي عملها لإسماعيل هنية، والتي لا تفيده ولا تفيد عون عند المسيحيين وعند الفرنسيين، وتثير بالطبع سخط الأميركيين! 
هناك فترة أسبوع على الأكثر، فإما أن تتشكل حكومة بين بين نكايةً بالأميركان، وليس حباً بالفرنسيين، أو لا تتشكل حكومة على الإطلاق لحين ظهور نتائج الانتخابات الأميركية، ويا ويلتاه على اللبنانيين اليوم وغداً! 
ــ ـ. ـ
*أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية.