على مدى العقود الثلاثة الماضية، لم تعرف فيتنام سوى الأخبار الاقتصادية الجيدة -أو العظيمة. فقد دفع النمو المستمر للأمة كمُصدّر، يدفعها القادة الشيوعيون الذين بدؤوا في تبني سياسات موجهة نحو السوق في أواخر الثمانينيات، الكثيرين إلى الطبقة الوسطى.
لكن جائحة الفيروس التاجي غيرت كل ذلك. مع تعرض شركات الملابس لخفض الطلبات وتضرر قطاعات أخرى بانخفاض مفاجئ في الصادرات، يعاني عمال فيتنام من الجانب السلبي من كونهم مقيدين بالاقتصاد العالمي. وبات التباطؤ الاقتصادي في الولايات المتحدة والأسواق الأخرى التي تعتمد عليها فيتنام للنمو، ملموسا في شوارع مدينة «هوشي منه» وهانوي، وكذلك في القرى والمراكز السياحية.
ويعتبر «لي ثاي هوا»، الذي يبيع شرائح الأناناس والمانجو خارج سوق «بن ثانا» في مدينة «هوشي منه» في قلب المركز التجاري، من بين أولئك الذين يتساءلون أين ذهبت الأوقات الجيدة.
يقول «هوا»، 55 عاما، وهو يرتدي قناع الوجه ويجلس على كرسي بلاستيكي بجوار سلال الفاكهة أمام مطعم مغلق للمأكولات البحرية: «الآن لا يخرج الناس. لا يمكنني بيع سوى ثلث ما كنت أبيعه قبل تفشي الوباء».
لقد كانت فيتنام واحدة من نجوم العولمة، حيث حولت نفسها من اقتصاد زراعي إلى حد كبير إلى قوة تصنيعية في غضون عقود قليلة. وفي ظل أن حجم الصادرات أصبح معادلا لحجم الناتج المحلي الإجمالي، شهدت فيتنام نمو اقتصادها بسرعة بلغت 7.02% في عام 2019. وهي الآن تستعد لأبطأ نمو منذ عقدين، بنسبة 2.4% هذا العام. وخلال الربع الثاني من العام، لم تحقق توسعا سوى بنسبة 0.36% فقط عن العام السابق.
وقال رالف ماثيس، العضو المنتدب لشركة «أبحاث السوق»، الذي يعيش في البلاد منذ عام 1994:«شهدت فيتنام تسونامي من الأخبار السارة على مدار الثلاثين عاما الماضية». هذه هي المرة الأولى منذ انضمامها إلى المجتمع الاقتصادي العالمي على مدى عقدين من الزمن الذي تشهد فيه فيتنام تراجعا اقتصاديا كبيرا».
يسلط الركود المفاجئ الضوء على التداعيات المالية للوباء وكيف أن البلدان التي نجحت نسبيا في احتواء الفيروس غير قادرة على تجنب معاناته الاقتصادية. لن تتمكن مثل هذه الاقتصادات من العودة إلى العمل كالمعتاد حتى يتمكن بقية العالم من ذلك.
يقول «سيان فينر»، الخبير الاقتصادي لدى أوكسفورد إيكونوميكس، والذي يتوقع انكماشا بنسبة 8% في التجارة العالمية لعام 2020: «من المحتمل أن يكون الأمر شاقا إلى حد كبير. ستظل البلدان الموجهة للتصدير معرضة للخطر».
في أبريل، تراجعت صادرات فيتنام بنسبة 14% عن العام السابق، وتلا ذلك انخفاض بنسبة 2.4% في مايو حيث توقفت التجارة العالمية، وفقا لوزارة الجمارك الفيتنامية. وفي الأشهر السبعة حتى يوليو، ارتفعت الصادرات بنسبة 1.5% فقط مقارنة مع 8% في نفس الفترة من العام الماضي. ومع ذلك، لا يُظهر قادة فيتنام أي علامات على تغيير المسار الاقتصادي بعد توقيع أكثر من 12 اتفاقية تجارية في السنوات الأخيرة وجعل البلاد نقطة جذب للاستثمار الأجنبي.
واكتسبت الحكومة، التي تحارب تفشي المرض في مدينة «دانانج» الساحلية والذي انتشر إلى 14 مقاطعة ومدينة، احتراما دوليا لاحتواء الفيروس. حتى 31 يوليو، لم تسجل الدولة حالة وفاة واحدة بالعدوى. وأكدت 1,029 حالة إصابة بالفيروس و28 حالة وفاة حتى 26 أغسطس، حيث يستخدم المسؤولون إجراءات صارمة لمكافحة الفيروس، مع السماح لشركات التصنيع بالبقاء مفتوحة.
على الرغم من أن فيتنام في وضع أفضل من الاقتصادات الأخرى في آسيا، حيث كان الفيروس أكثر فتكا وتعطيلا، إلا أن اعتمادها على الأسواق الخارجية وصناعة السياحة المتنامية أعطت سكانها درسا في التقلبات العالمية.
في السنوات الأخيرة، أصبحت فيتنام ترساً رئيسياً في سلسلة التوريد العالمية. كما فتحت مصانع لشركات الالكترونيات من بينها «انتل» و«سامسونج» و«إل جي»، بالإضافة إلى صانعي الألواح الشمسية ومنتجي الملابس. وفي عام 2019، بلغت صادرات فيتنام 264.3 مليار دولار – أي زيادة بأربعة أضعاف منذ عام 2008. وارتفع متوسط الرواتب السنوية من 1,154 إلى حوالي 2,800 دولار في تلك الفترة، وفقا لبيانات حكومية.

*مدير مكتب بلومبيرج في فيتنام
*صحفية لدى بلومبيرج
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»