هناك الكثيرون ممّن يفدون إلينا، زوّار ومشاركون، كتّاب ومثقفون وإعلاميون ومؤثرون في صنع الرأي العام من مختلف البلدان العربية والأجنبية، ونقوم بأداء واجب اليوم الأول من افتتاح الفعالية بامتياز، والتقاط الصور التذكارية، ثم نتركهم لموظفي العلاقات العامة أو سائقي التشريفات ليكملوا دورنا، والذي كان هو المهم والأهم، حتى لا ندري كم لبثوا، ومتى سافروا، وماذا حملوا في حقائبهم من ذكريات ومواقف وانطباعات عنّا وعن الدولة والناس؟ وهذه هي مشكلتنا الدائمة منذ منتصف التسعينيات، قبلها حين حضر الشعراء الكبار نزار قباني ومحمود درويش والجواهري ورسول حمزاتوف وعمر أبو ريشه وعبدالرحمن الأبنودي ومظفر النواب، وحين حضر أصحاب دور النشر العربية المشهورة مثل رياض نجيب الريس وماهر كيالي وغيرهم، وحين حضر فنانون ورسامون ورواة ومترجمون ومسرحيون، سعدالله ونوس، ممدوح عدوان، أحمد الربعي، مارسيل خليفة، فلاديمير شاغال وغيرهم الكثيرون عرباً وأجانب، ويغلبني العد والتذكر، لكنهم كانوا علاماتٍ بارزة، وأقلاماً وأصحاب فكر ورأي وموقف، كان الاحتفاء بهم من الجميع، دخلوا منازل الناس، وشاركوهم في أكلهم وفرحهم، دخلوا بيوت الشيوخ العامرة، وعرفوا كم الناس هنا متواضعون، مقدرون، ومطلعون، كنا نرافقهم متطوعين، نذهب بهم حيث المدهش، والتاريخ وطبيعة العادات وجميل الموروث، نقطع بهم حتى ليوا، ونزوّرهم مناطق العين، ونصل بهم إلى أقاصي الفجيرة، وكانوا حين يعودون يكتبون أو تعلق الإمارات بكل الطيبة والناس الجميلين في رؤوسهم، لم نكن يومها ننشد المدح أو نستجدي الإطراء، بل كنا نريد ذاك الانطباع البسيط والطيب والصادق، ونريد التحييد، وأن ينظروا لنا بموضوعية حين تلم أي مشكلة، لأنهم رأونا بصدقنا وكرمنا وبساطتنا العربية، ولم يعودوا يصدقون ما سيقال عنّا، هذا إذا ما انبروا يدافعون عنّا، اليوم.. للأسف يتم الاحتفاء بمتصدري المشهد الرقمي، ووسائط التواصل الاجتماعي، وفارغي الرأس، ويهملون العتاة الثقال الذين لآرائهم البقاء ولأحكامهم الأثر، بالأمس كنا نُربّي الصداقات الدائمة، واليوم نفرح بالصور الافتتاحية معهم، ثم نتركهم في تلك المساحة المحايدة، والتي يكثر فيها الاصطياد، ويكثر فيها اللبس والاختلاط، ويكثر فيها المصطادون المتربصون.
لذا علينا أن نقف بصدق مع أنفسنا، وفيما نفرّط، تكون الساحة بأكملها لنا، واللاعبون تحت أنظارنا، ونهمل في وقت الرخاء في ذلك الاتساع، ولا نعمل على الاحتفاظ بمهارة أولئك اللاعبين، وفجأة نلوم الآخرين ولا نلوم أنفسنا إذا ما تحول ذاك فجأة عنا، فقط كنّا بحاجة لمهارات بسيطة وقليلة، وكنا بحاجة لمواصلة التواصل، والسؤال، خاصة أن الكبار منهم لا تعنيهم الصغائر، بقدر ما يعنيهم التقدير والتوقير، يا إخوان.. الإمارات لديها الكثير من الإمكانيات العظيمة والمذهلة، وهي التي تسهل على الأفراد والمؤسسات نصف طريق أعمالهم، وتعينهم على إنجاز مهامهم بيسر وسرعة، لكننا رغم ذلك هناك البعض يضيع البوصلة، ولا يبدأ بالبسملة، ويعتقد أن الآخرين هم المحتاجون، وينسى أنه وطني ومواطن متطوع دوماً وأبداً للخدمة العامة المنظورة والبعيدة، وعليه أن يكون ملء الثوب الذي يرتديه، والمكان الذي يشغله، وأنه خادم القوم، وإن كان كبيرهم.