يعيش السودان هذه الأيام ظروفاً صعبة، بسبب السيول والفيضانات غير المسبوقة منذ سنوات طويلة، لكن تظل هذه كارثة طبيعية خارجة عن إرادة البشر، ولا يمكن لأحد أن يوقفها، أما الذي سيحمي السودان من الكوارث الأيديولوجية، هو ما قامت به الحكومة الانتقالية في 3 سبتمبر 2020 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، مع «الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال»، إعلان بتوقيع نص على فصل الدين عن الدولة، في خطوة يمكنها أن تقضي على استغلال الدين سياسياً، كما سيلغي شرعية المتاجرين بالدين مثل «الإخوان» وما شابههم، ليحل السلام. 
إن أكثر ما قامت به الجماعات الإسلاموية المتاجرة بالدين مثل «الإخوان»، هو تشويه معنى العلمانية على أنها كفر، والذي رسخ هذا المفهوم المناهج التعليمية وحتى الإعلام، لأنهم على يقين أن العلمانية ستقضي على مشروعهم الطامع في السلطة والحكم، فالعلمانية باختصار تعني فصل الدين عن الدولة وليس عن المجتمع، كي لا يستغل الدين سياسياً مع الاحتفاظ بالممارسات الدينية للجميع.
فالكثير من المسؤولين ذكروا، أن السنوات التي عاشها السودان من مجازر جماعية، أدت إلى انفصال جنوب السودان والحروب المدمرة، كانت بسبب الإسلام السياسي، لذلك فإن  «الحركة الشعبية» متمسكة بالعلمانية، لأنها تريد تجاوز التاريخ العنصري المرير لتقف الدولة على مسافة واحدة من جميع الأديان، وتقدم الحقوق والواجبات على أساس المواطنة، وقد أشار مصدر من «الحركة الشعبية»  إلى أن تدهور حال السودان، كان بسبب فرض أيديولوجيات الإسلاموية والقومية العروبية في بلد متعدد الأديان والثقافات. 
فالمطالبة بالعلمانية، لم تكن فقط مطلب «الحركة الشعبية قطاع ـ الشمال» فقط، بل كانت أيضاً مطلب «حركة تحرير السودان»، والكثير من الأصوات الشبابية والشعبية، بالإضافة إلى شريحة كبيرة من أبناء «الإسلاميين»، لأن غالبية الشعب السوداني سَئِمَ من العقلية المتاجرة بالدين أو «التدين المغشوش»، كما وصفه الغزالي وابن الجوزي، فالمقصود هنا التفريق بين الدين والتدين، فالدين من فعل «دان» أي اعتنق واعتقد فكراً أو مذهباً معيناً، وسار على نهجه، أما التدين فهو نسبة مقياس تلك المعتقدات، بناء على ما وضعته شريحة معينة من البشر، وهذه الفئة غالباً ما تكون جماعات مؤدلجة مثل جماعات «الإسلام السياسي» كـ«الإخوان».
إن كل التجارب تثبت لنا أن العلمانية هي الحل الأمثل لمكافحة الإرهاب والاضطراب، ليس فقط في السودان، بل في كل المنطقة، وكذلك هي تحافظ على الدين من استغلال جماعات الإسلام السياسي، فعندما سُئلَ معالي يوسف العتيبة، سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة الأميركية، في برنامج «تشارلي روز» الحواري السياسي الأميركي، عن الخطة المغايرة لدعاة الإسلام السياسي في المنطقة، ذكر على الفور الاتجاه نحو العلمانية، لذلك على الإمارات والسعودية والبحرين ومصر ليس فقط تقديم المساعدات للسودان من آثار الفيضانات، بل أيضاً دعم توجهه العلماني، لكي يعم الاستقرار والازدهار والسلام.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي