أهمية الكتاب المعنون بـ«من القيم الإنسانية في الإسلام»، والذي صدر عن هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، تكمن في أنه تطرق إلى موضوع غاية في الأهمية، ألا وهو «التقدم والتخلف في العالم الإسلامي»، وكيفية صعود واختفاء الحضارة الإسلامية في الدول المسلمة. وأجاب الكتاب عن هذا السؤال بكل وضوح وصراحة، خاصة عندما أشار إلى: «إن الدول الإسلامية لم تستجب لداعي الزمن وتواصل البحوث العلمية لتواكب المد الحضاري الذي كان يتمدد في أوروبا، ومن العجيب أن يتقهقر الشرق في المضمار العلمي متخلفاً، وأن يتقدم الغرب في عالم الاكتشافات والتقدم الصناعي حتى انفرجت الشُقَةُ عن دول تستعز بسلطان العلم وما يقدمه من أسلحة الانتصار والاحتلال.. ودول تستكين أمام العدوان، فتقع فريسة لاستعمار متربص بكل خير، ناهب لكل ثراء». وينقل الكتاب عن الأديب الكبير محمود عباس العقاد قوله: «وما حان القرن التاسع عشر حتى أصبح العالم منقسماً إلى حضارة حديثة في الغرب وحضارة قديمة في الأقطار الآسيوية والأفريقية، وكان المسلمون في هذه الأقطار».
مضامين الكتاب تتمثل في أن المسلمين لم يلحقوا بركب الحضارة في الصناعات والعلوم الحديثة ومجالات أخرى عديدة، فتراجعوا شيئاً فشيئاً، وعاش بعضهم على الاستيراد من الخارج دون أن تكون لديهم صناعة خاصة من إنتاجهم، وأصبح المسلمون والعالم الإسلامي في مقدمة الأهداف التي تصوب إليها حملات الاستغلال والاستعمار.
وفي الكتاب أيضاً: «كان انتشار الإسلام من السعة والشمول وسرعة الإقبال بوتيرة أفزعت الخصوم، لكن ظهرت بحوث أخرى لديهم تقلل من خطر الزحف الإسلامي، وكان سلوك المسلمين هو سر انتشار الإسلام ومصدر الإعجاب، حين رأوهم رُسلَ رحمة وفضيلة، وأيضاً دعاةَ عدل ومساواة، ورجال أخوة ووئام. وكان التاجر الأعزل يتقدم بدينه إلى الآلاف داعياً بسلوكه».
التحذير من مخاوف التراجع لا يجعلنا ننسى أن الحضارة الإسلامية ازدهرت، وترجمت العلوم في فترات سابقة إلى اللغة العربية.
في الكتاب حديث عن حقوق الحيوان في الغرب ودور الإسلام في ذلك: «اشتهر لدى قدماء من علماء الغرب أن الحيوانات كائنات آلية لا تتمتع بذكاء، بل إن فيلسوفاً كبيراً مثل ديكارت قد أبدى من الآراء في الحيوان ما يكاد يلحقه بالنبات». ولكن مع تقدم العلوم ظهرت دعوات الرفق بالحيوان.
وقد تأسست في أوروبا جمعيات الرفق بالحيوان، وفي إنجلترا ظهرت أول جمعية تعمل في هذا المجال سنة 1824. وكان ظهور هذه الجمعية مدعاة فخر متزايد لدى كثيرين في كل أوروبا، ولو كان هؤلاء درسوا الإسلام قرآناً وحديثاً وتشريعاً وتاريخاً، لاختفت دهشتهم، لأن الرحمة مطلب عام عند التعامل مع الكائنات جميعها، ضمن سلوك تمت الدعوة إليه قبل أربعة عشر قرناً، ما أسس إلى الرأفة بالحيوان كسلوك ينبغي الحرص عليه.
*كاتب إماراتي