برنامج يطل علينا عبر شاشة تلفزيون أبوظبي، يقدمه الزميل الشاعر خالد البدور، في هذا البرنامج تتنفس أمواج البحر عن نغمة، وموال، وحركة السواعد السمر، وهي تمشط جدائل الماء بإرادة الذين عشقوا، والذين بسقوا، والذين تناسقوا فشقوا عباب البحر بأغنية طرفت لها العيون، وهتفت لها القلوب، وتاقت لها النفوس، واشتاقت إليها الأرواح.
في هذه الطلة بريق حياة، وذاكرة تخيط قماشتها بأهداب الشعر، وأنامل قوافيه التي تمشي على قطنة الوجدان، كأنها الفراشات على وريقات الزهر.
كم نحن بحاجة إلى هذه الومضات، وكم نحن بحاجة إلى هذه الشذرات، وكم نحن بحاجة إلى هذه الإشعاعات الضوئية، كي تنير أفنية الحاضر بما جاشت به أفئدة العشاق السالفين، وما جادت به قرائحهم التي نحتت في الذاكرة صورة اللمعة في عيون امرأة من ذلك الزمان، وخيط الكحل في ثنايا الرموش السود.
في هذا البرنامج تستدعي الذاكرة خيولاً مرت من هنا، ونوقاً خبت، وشبت، وبدت، وأحبت، استنارت بومضة البرق في الطوايا، والنوايا، وسارت تنشد الأبجدية لأجل أبدية لا تخبو، ولا تطفئ فوانيسها، لأنها من فوح القلوب العاشقة تسرد الخرقة وجداً أممياً، يصغي له الكون، والوجود يصافحه بصرخة ميلاد درة في الأعماق، أو زهرة في الآفاق، أو كلاهما معاً في الأحداق يرسمان وجه امرأة سهرت، وما غفت في انتظار هامة تدلف من باب الاشتياقات العظيمة، ليصبح الاتحاد تناغماً بين شهقتين، بين شفتين، بين كلمتين من حرفين منقلبين «حب، بح»، وهكذا تبدو في الحياة الأشياء ترفل بلونها الوردي، عندما نستعين بالذاكرة، عندما نستدعيها كي تفتح دفتر الأيام، وتقرأ لنا سيرة، سبر، وسيرورة، وتزملنا بدفء إرث وتراث، وتعمل على شحذ ما يكمن في داخلنا لنكون نحن وليس غيرنا.
أصوات من الخليج، أعتقد أنه الاختيار الأجمل لشاعر له سماته في البحث عن الخيط الرفيع ما بين الروح والجسد، وما بين الوجد والوجود، وما بين الكلمة وصورتها في القلب، وما بين النغمة وصداها في الروح، وهكذا أصاب خالد، وهو يترقرق شفافية في بوح ما، وهو يسرد قصة شعب ملأ البحر وشوشة، وهو يسافر عبر الزمن في أتون الموجة العارمة، في تلافيف التاريخ، في مسام الجغرافيا.
نتمنى أن تتحول شاشاتنا التلفزيونية، مركب غوص، يبحث عنا في داخلنا.