في الوقت الذي تؤكد فيه دولة الإمارات العربية المتحدة التزامها بالعمل على دعم حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة، باعتبار ذلك أحد ثوابت سياستها الخارجية التي لا يمكن أن تحيد أو تتخلى عنها، فإن قادة السلطة والفصائل الفلسطينية، على الجانب المقابل، يتجاهلون عن عمد هذه الحقيقة، بل ويسعون إلى تشويه صورتها والتشكيك في مواقفها، على النحو الذي ظهر جلياً فيما سمي باللقاء الافتراضي للفصائل الفلسطينية وبمشاركة الرئيس محمود عباس قبل أيام، والذين وجهوا خلاله انتقادات لمعاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية، واعتبروها «خيانة للقضية الفلسطينية».
هذا اللقاء الافتراضي يثير تساؤلات جوهرية ومشروعة، ينبغي للسلطة الفلسطينية ومن يطلقون على أنفسهم قادة الفصائل الفلسطينية الإجابة عليها بكل شفافية وموضوعية، أولها: من هو الذي خان بالفعل القضية الفلسطينية وتاجر بها، وزايد على معاناة شعبها؟ هل هي الإمارات التي نجحت في إقناع إسرائيل بوقف ضم أراضٍ فلسطينية جديدة إليها، وأعادت الحياة مجدداً إلى حل الدولتين، أم السلطة والفصائل الفلسطينية التي رفضت، على مدار السنوات الماضية، الوساطات العربية لتحقيق المصالحة وتوحيد الصف الفلسطيني، وأعطت بذلك الذريعة لإسرائيل للتنصل من التزاماتها، بدعوى أنه لا يوجد شريك فلسطيني يمكن التفاوض معه؟
ثانياً: من هو الذي بدأ قطار التطبيع مع إسرائيل والدخول في مفاوضات سلام سرية معها، قبل ما يزيد على ربع قرن؟ أليست هي منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات، والتي وقعت اتفاق أوسلو مع إسرائيل في 1993، برعاية أميركية، واعترفت بموجبه بدولة إسرائيل، مقابل اعتراف الأخيرة بمنظمة التحرير ممثلاً للشعب الفلسطيني وبدء مفاوضات معها؟ ثم أليس محمود عباس الذي ينتقد الآن معاهدة السلام، كان من أوائل الداعين للدخول في مفاوضات مع إسرائيل، بل وانخرط بالفعل في المفاوضات السرية التي مهدت لاتفاق أوسلو؟ وهو الاتفاق الذي قوبل وقتها برفض شعبي عربي عارم، لأنه لم يتضمن أي تأكيد على نهاية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ولم يتطرق إلى قضايا القدس واللاجئين وحق العودة، في حين أن الإمارات كانت أكثر شفافية، عندما أعلنت بكل شجاعة وصراحة عن اتفاق السلام مع إسرائيل أمام الرأي العام العربي والدولي، لأنها تنظر إلى هذا الاتفاق باعتباره بداية جادة لبناء سلام حقيقي يضمن للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة. السؤال الآخر: ألم يكن من الأجدى للسلطة الفلسطينية أن تلتزم الحياد تجاه الأزمات والنزاعات العربية، وألا تقحم نفسها في دائرة الاستقطابات التي شهدها العالم العربي خلال العقود الثلاثة الماضية؟ أليست هي من ورط الشعب الفلسطيني في قرارات خاطئة دفع تكلفتها أثماناً باهظة، كموقفها المتخاذل من كارثة الغزو العراقي للكويت في العام 1990، في وقت كانت فيه الكويت ومعها دول الخليج العربي هي أكثر الداعمين للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
الواضح من سلوك السلطة الفلسطينية وفصائلها المتناحرة أنها لا تستوعب خبرات التاريخ، ولا تتعلم من دروسه، ولا تمتلك القدرة على قراءة المستجدات، ولا استشراف المستقبل، ولهذا فهي أكثر خطراً على القضية الفلسطينية، لأنها تضيع الفرصة تلو الأخرى. والأكثر خطورة أن بعض هذه الفصائل، كحركة «حماس»، تتبنى نفس مواقف الأطراف الرافضة لعملية سلام الشرق الأوسط، كإيران وتركيا وجماعة «الإخوان»، في وقت يدرك فيه الجميع أن هذه الأطراف مجتمعة توظف القضية الفلسطينية سياسياً ودعائياً في تصدير صورة لدى الشعوب العربية والإسلامية، باعتبارها تحمل لواء الدفاع عن هذه القضية، والحقيقة هي أبعد ما تكون عنها.
في الوقت الذي لا تزال تتعرض فيه الإمارات لانتقادات من جانب السلطة والفصائل الفلسطينية والأطراف الإقليمية المتاجرة بالقضية الفلسطينية، فإنها لا تلتفت لذلك كله، وتؤكد أنها ماضية قدماً في التزامها الثابت والإنساني والأخلاقي تجاه الشعب الفلسطيني والدفاع عن حقوقه المشروعة، وفي مقدمتها إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وسيثبت التاريخ في يوم ما أن الإمارات تحملت مسؤولية تحريك المياه الراكدة في عملية سلام الشرق الأوسط، كما فعلت مصر في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حينما تبنت رؤية واقعية للسلام، كانت تشكل آنذاك فرصة كبيرة لحل القضية الفلسطينية يتم خلالها استعادة كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة وفق قرارات الأمم المتحدة، لكن المسؤولين الفلسطينيين رفضوها آنذاك، ثم ندموا على ذلك فيما بعد، وضيعوا فرصة تاريخية كانت يمكن أن تساعدهم على إقامة دولتهم المستقلة، والآن يكررون نفس الخطأ مع المبادرة الإماراتية الشجاعة والجريئة التي أنقذت 30% من الأراضي الفلسطينية كانت إسرائيل تعتزم ضمها.
*إعلامي وكاتب إماراتي