أعلنت الإمارات، منذ بضع سنوات، خطتها الدولية لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف الذي استشرى منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، وتشعب بظهور «القاعدة» و«داعش»، ثم تفشى بـ«الربيع العربي»، وركوب «الإخوان» متن الثورات العربية، ونجحت الإمارات نجاحاً كبيراً في تجفيف مصادر تمويل الإرهاب ومحاصرته وإضعافه، بالتعاون مع حلفائها الاستراتيجيين، وها هي تعلن اليوم خطتها لمكافحة الحرب ولإرساء السلام.
الإرهاب لم يكن مجرد فزاعة، كما ذهب دعاته الذين حاولوا خلخلة الأمن القومي العربي، واستعانوا بقوى الظلام والهمجية لشرعنة فكرهم المتطرف، المستند على أوهام الخلافة والطائفية وتمزيق المجتمعات، بل كان ظاهرة حقيقية نشبت أظافرها في خاصرة العالم من ناحية الشرق الأوسط، وما زال، ومع رفض المجتمع الدولي، وبسبب تلك القوى الإقليمية، يبحث عن المداخل والمخارج التي قد توفر له بيئة جديدة يترعرع فيها.
واجهت الإمارات تحديات كثيرة في مكافحة الإرهاب، من بينها الدعاية المضادة التي تولتها شركات علاقات عامة ووسائل إعلام، كقناة «الجزيرة»، تتغذى على وجود الإرهاب واستمراره، في محاولات مستميتة لتشويه صورة الإمارات وخشية من وصولها المبكر المثابر نحو بوابات السلام، حيث تتحول المعادلة، على المستويين العالمي والإقليمي، وتصبح قراءة الحقيقة، وليس الوهم الزائف، أكثر وضوحاً.
تسلحت الإمارات في خطتها الجديدة، لمكافحة الحرب وإرساء السلام، على أمنها القومي المتماسك في منظومة راسخة، وعلى اقتصادها المعرفي المتطور، وعلى أبنائها المتفهمين الواعين لما يدور حولهم في المنطقة والعالم، وكذلك على حلفاء أقوياء، كأميركا والسعودية ومصر وغيرهم، مؤمنة أن أمراء الحرب، الذين تواجههم، ليس لديهم من سلاح سوى الخطب والشعارات الواهية.
السلام ليس مرحلة ولا محطة بالنسبة للإمارات، بل هو وجهة نهائية تستقر فيها دول المنطقة، عاجلاً أم آجلاً، وتدخل فيها الإمارات، عامها الخمسين، صلبة قوية مستقرة متقدمة، وهي تضع خطتها نحو خمسين عاماً قادمة، تتوازن حولها القوى، ويتوقف كل مشعلي الفتن والحروب، ويكفّون عن جنونهم وهذيانهم، وتُفتح أبواب العلم والمعرفة والثقافة، على مصراعيها، ويُتاح للعقول رؤية الصواب، وتصحيح المشكلات الاجتماعية، وتنشئة الأجيال، على قبول وتقبل الآخر، والعمل سوياً في بيئة آمنة.
وكما يقيم في الإمارات، أكثر من 190 جنسية عالمية، تتمتع بالأمن والاستقرار، يحلمون ويبدعون ويتقدمون، ستظل الإمارات أيضاً واحة متاحة، لكل من ينشد الأمن والسلام، ويبحث عن تحقيق أحلامه الكبيرة، أو يزور الإمارات محبة وصداقة، للسياحة أو العمل، وتأمل الإمارات أن تصبح جميع دول الإقليم، تتمتع بهذه الخاصية. 
السلام مع إسرائيل، وبالإضافة إلى الدور الكبير الذي قامت به الإمارات سابقاً وتقوم به حالياً، لدعم القضية الفلسطينية، سيدفع قطعاً نحو «حل الدولتين»، ما يُمكّن الفلسطينيين والإسرائيليين، على حد سواء، من التخلص من الخوف وعدم الاستقرار، والتخلص من الجماعات الإرهابية التي تقلق مضجع الجميع، والتي دأبت على المتاجرة بفلسطين طيلة سبعين عاماً، وسيحمل الفلسطيني جواز سفره، معتزاً به ومفاخراً، يطوف به العالم، وسيتمكن الإسرائيلي من دخول جميع الدول العربية، كواحد من أبناء المنطقة المتآلفة.
خطة الإمارات لمكافحة الحرب، تعتني بشكل دقيق، أن يقوم المجتمع الدولي بدوره التاريخي لتصحيح مسار دول مثل إيران وتركيا، ومنعهم من الاستمرار في التدخل أو احتلال دول أخرى مثل سوريا وليبيا والعراق ولبنان واليمن، والكف عن التهديدات وأحلام الإمبراطوريات البائدة ودعم الجماعات الإرهابية، من خلال وضع تفاهمات واتفاقيات وآليات لإقامة علاقات متزنة تراعي احترام الجوار، والبحث عن النقاط المشتركة التي تضمن تحقيق السلام الشامل، وليس العادل فقط.
لا ترى الإمارات، وفي خطتها لمكافحة الحرب وإرساء لسلام، متسعاً من الوقت لاستمرار النزيف الذي يهدد مستقبل الأجيال القادمة، فهؤلاء، الذين ولدوا بالأمس أو اليوم، يحتاجون من قيادات المنطقة جميعاً، الشجاعة الكافية لاتخاذ القرارات الاستراتيجية المهمة، الصادرة على أسس واضحة وشفافة ونوايا سليمة، والتي تدفع لنشر ثقافة السلام بين شعوب المنطقة، ونبذ خطاب الكراهية والترويج للفتن والحروب، وحتى تصبح هذه المنطقة تضاهي مناطق وأقاليم أخرى في العالم، تخلصت شعوبها من هذه الآفات منذ زمن بعيد، وباتت تبحث عن رفاهية المجتمعات، وأفضل سبل العيش فيها.
نحتاج أن يطوف الإماراتي والسعودي والكويتي والبحريني والعُماني إلى رام الله والقدس وتل أبيب، وهو يشعر بالفخر لأنه كان يوماً ما جزءاً من التغيير الشامل الذي ساهم بقيام دولة فلسطين إلى جوار دولة إسرائيل، وأن تستضيف العواصم والمدن الخليجية، وكافة المدن العربية، الإسرائيليَ وهو يشعر بالسعادة والأمن والسلام.

* لواء ركن طيار متقاعد