بعض البشر مثل الحجر، وإن وضعته في الماء الفرات، يبقى جامداً، متزمتاً، متعنتاً، متجبراً، محتقناً، محتداً، يعاني فيروس الانكفاء، والانطواء، مثل سجادة قديمة ملأى بغبار أزمنة عقيمة، عديمة، سقيمة، أليمة.
بعض البشر يكتظ بصور وهمية تأتيه من عوالم غائصة في البارانويا، والعصاب القهري. بعض البشر يبدو في الحياة مثل كوكب مهجور، تؤمه كائنات أشبه بفقاعات الماء المغلي المنسي على موقد تثلمت عيونه النارية.
بعض البشر مثل سمكة مريضة، ألقتها موجة عارمة في فم متوحش.
بعض البشر مثل سطوة الريح، قاصفة، عاصفة، خاسفة، ناسفة، لا تبقي من القيم الإنسانية ولا تذر، هم هكذا في الزمان، أدران، وأحزان، وأشجان منهكة، منهمكة في غضون دامس الليل وحلكة المشاعر، والابتسامة على وجوههم مثل أجنحة معفرة في تراب داست عليه حوافر، وأواصر مزنجلة.
بعض البشر، في الأخلاق نياق ساقتها صروف الدهر إلى حفر عميقة، سحيقة، فأصبحوا في الأتون عملة فاسدة، فمهما فركتها، أو حركتها تبقى في الصدأ أحفورة بالية، بعض البشر لا عافية خلقية ولا شافية سلوكية، هم في الدنيا نفاية في مكب النهايات القصوى، مبتذلة.
بعض البشر خصلة متهدلة وفصيلة مأزومة بالجلجلة، ربما تفكر في تفنيد عقدتها، ولكنك ستبوء بالفشل الذريع ولن تنال سوى الكلكلة.
بعض البشر كرياح «الطوز» تحثوك بالغبار، والسعار، والدوار وتمنحك الغثيان إن جاشت بخلخلة، أو حلحلة.
بعض البشر كقربة مثقوبة، مهما ملأتها من ماء القلب، لا تسقيك إلا بحثالة من بقايا مغربلة.
بعض البشر محرومون بالفطرة من بذل أو جذل، إنهم هكذا مثل الزائدة الدودية، لا جدوى، ولا فائدة، هم هكذا أشياء زائدة، تفيض بالعدم، وتنتهي بالسقم، بعض البشر كخربشة على جدار متداع، هم بلا لون، ولا طعم، هم نسخة من غيمة غابرة، هم دخان المرحلة، وشيء من حضارات زائلة، وتكهنات معتوهين، مسربلين بأخاييل أصحاب كعوب مضعضعة.
بعض البشر لا محسنات بديعية في أخلاقها، ولا بلاغة، ولا نبوغ في سجاياها، ولا نواياها، إنها في الأصل محارات فارغة، وقواقع عبثت بها أزمنة القلقلة.
بعض البشر يعيشون في الحياة، مثل ذبابة حائرة، إن واجهت الريح تاهت، وأن غاصت في الحفر ماتت.
بعض البشر من صنوف السائبة، خائبة في مرعاها، وشائبة في مسعاها، فلا هي في الأرض ولا هي في السماء، هي طائرة مخطوفة خربة.. والله المستعان.