التعامل مع فيروس كورنا المستجد لا يزال ضمن منظومة إدارة الأزمة في بعض الدول، وفي دول أخرى خرج من إطار إدارة الأزمة إلى ما يسمى إدارة السيطرة على الأضرار، وهناك دول أخرى تُدير تبعات الكوارث، كما تجمع بعض الدول بين اثنين من هذه الأساليب، أو تتوزع جهودها بين المراحل الثلاث. وقد تنتقل من مرحلة إلى أخرى، ضمن قيود محددة. والتهديد الأكبر هو الإنكار والإصرار على إجراءات غير ناجعة، استناداً إلى الخطط الموضوعة والخطوات المهنية المعتمدة، وقوانين ومهام مؤسسية، وتسلسل قيادي، وتسلل في اتخاذ القرارات غير رشيق، وغير مرن، والأخذ برأي الخبراء أنفسهم، الذين لم يتمكنوا في الأساس من التنبؤ بهذه الجائحة. ولم يكن بيدهم البدائل المبتكرة، ولا أي استعداد حقيقي يليق بحجم التحدي، وبالتالي التقليل من أبعاد التهديد، والمبالغة في وصف السيطرة على مجريات الأمور، وما قد يتبعه من تفاعل اجتماعي غير مسؤول من البعض، والشعور الزائف بتقلص الخطر لدى البعض الآخر. وبين الإنكار والإهمال، وتشعب اللوائح والقرارات، وضعف ثقافة الحيطة والحذر، أصبحت اللوائح في وادٍ، وثقافة ووعي المجتمع وما يمارسه في وادٍ آخر. وفي بعض الأحيان أدى العجز في معالجة المعلومات ووصولها للعامة بمنهجية وقائية احترازية، إلى الضبابية وزيادة انتشار العدوى، حيث إن العقل البشري يصل لمرحلة معينة من الصمود، تصبح بعدها الحاجة للعودة للحياة الاعتيادية أولوية شبه بيولوجية، ترتبط بصحته النفسية والعقلية، وانعكاس ذلك على الجسد.
فآثار الوباء ستستمر في المستقبل المنظور، ونحن في حاجة ماسة إلى طرق مبتكرة للتأقلم والتكيف مع الوضع الراهن، وما هو قادم، والبعد عن التركيز على الإنجازات، وإدارة التنافسية من خلال الأزمة إلى إدارة الأزمة بموضوعية. وخاصة أن العالم في أزمة ليس لها عمر محدود، وهي تقود لنقطة ضعف مؤثرة في هيكل إدارة الأزمة، ونوعية نمط التفكير والعقول، ونظم اتخاذ القرار التي تقف خلف الأزمة، والواقع التحضيري للقرار الاستراتيجي، ولا يمكن للإنسان أن يستعد لكل شيء بالقدر نفسه وبالموارد والاستثمارات نفسها. وهنا تبرز أهمية استشراف المستقبل وقراءة البيئة الاستراتيجية للأزمة.
وبعبارة أخرى، فإن التردد هو خسارة في هذه المعركة، وبنفس القدر التسرع وعدم قبول المخاطر المحسوبة، والعمل المتزامن لسد فراغ جذور الأزمة، والحد من عوامل تحولها إلى كارثة. وهنا نشير إلى وجود أصوات استشارية محايدة، وعدم إهمال مؤشرات الاضطرابات، وعدم الاستقرار الاجتماعية والاقتصادية والأمنية غير المباشرة، والتخفيف من مخاطر التهديدات الناشئة من المصادر المختلفة، أو التي تدور حول أو ضمن الأزمة الأم، أو تختفي في تفاصيلها، وتمثل الأزمة فرصة سانحة للقيام بتنفيذ بعض التهديدات الأكثر احتمالاً.. وهنا، من المهم تطوير القدرات والإمكانيات المتجانسة والقابلة للتكيف والتأقلم مع الأزمات التي قد تنشأ على أثر أزمة قائمة، أو تكون مصاحبة لها، والقدرة على الاستجابة بسرعة، والمرونة إزاء السيناريوهات المتغيرة، بما يتماشى مع مرحلة الوباء، وتحسين المرونة، وتقوية المحركات الرئيسية للقيمة الفكرية والاستراتيجية لإدارة الأزمة، ومواءمة جميع خطط الاستجابة للحوادث ذات الصلة، وفهم الوضع الديناميكي المستمر، وعدم الانتقال إلى عقلية النجاح والتغلب على التحدي، قبل الوصول لمرحلة السيطرة والتحكم الفعلي. وتحقيق أهداف ومؤشرات النجاح المستدام في عملية الاستجابة، ومن ثم الإجابة على سؤال: لماذا فشلت آليات المنع في المقام الأول، كركيزة للتعافي؟
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.