منذ أيام، تم تأييد إدانة الزعيم اليميني المتشدد الهولندي خيرت فيلدرز بتهمة توجيه إهانة جماعية لمغاربة خلال تجمع في لاهاي عام 2014، لكن المحكمة برأته من تهمة أخرى، هي التحريض على التمييز. واعتبرت محكمة استئناف هولندية أنه تم إثبات الإهانة الجماعية، عندما دعا «فيلدرز» الحشد إلى «تقليل عدد المغاربة» الموجودين في البلاد. ‬وقال ‬القاضي ‬«جي. ‬إم. ‬راينكينغ»: ‬إن «المحكمة ‬تعتبر ‬أنه ‬تم ‬إثبات ‬أن ‬السيد ‬فيلدرز ‬مذنب ‬بتوجيه ‬إهانة ‬جماعية»، ‬ولكن ‬لم ‬تقرر ‬المحكمة ‬أي ‬عقوبة ‬بحق ‬«فيلدرز»، ‬على ‬خلفية ‬التهمة ‬المرتبطة ‬بتجمّع ‬سياسي ‬جرى ‬عام ‬2014، ‬حيث ‬سأل «فيلدرز» ‬أنصاره ‬إن ‬كانوا ‬يرغبون ‬بـ«أقل ‬أو ‬مزيد ‬من ‬المغربيين» ‬في ‬هولندا، ‬فهتف ‬الحشد: «أقل! ‬أقل».
وتجري متابعة القضية من طرف جل المتتبعين قبل انتخابات العام المقبل، وسبق أن اعتبر زعيم حزب «الحرية» المعادي للإسلام أن القضية مجرّد «محاكمة سياسية»، ونقاش بشأن حرية التعبير. ‬ويذكر ‬أن ‬حزبه ‬يشكل ‬ثاني ‬أكبر ‬كتلة ‬برلمانية ‬بعد ‬حزب ‬رئيس ‬الوزراء ‬«مارك ‬روتي» ‬الليبرالي «‬الشعب ‬من ‬أجل ‬الحرية ‬والديمقراطية‭.«
السيد «خيرت فيلدرز» هو زعيم يميني متطرف، وهو حديث الساعة، ليس فقط في هولندا، ولكن في معظم الدول الأوروبية، بسبب كرهه الشديد للإسلام والمهاجرين، فالرجل ليس له أي اعتراف بالآخر، ولا بقواعد العيش المشترك، ولا بحقوق الجاليات، ولا بالإسلام، ولا بالحريات العامة. وكل من توفر على هذه الخاصيات يسبح في عالم من الكراهية الشديدة، يصعب معه أي حوار جاد. 
وقبل ما يزيد على سنتين، تبنت العديد من الدول الأوروبية خطابات يمينية في أساليب حكمها، خاصة أن بعض الفاعلين السياسيين يعتبرون وجود جالية مسلمة في أوطانهم بمثابة تهديد حقيقي لهوية بلدانهم، ويعتبرون أن المسلمين غير مندمجين بما فيه الكفاية في المجتمعات، ويرجعون ذلك إلى الاختلافات الثقافية وإلى القيم، قبل الأسباب الأخرى المرتبطة بالغيتوهات أو الصعوبات الاقتصادية. وإذا رجعنا إلى استطلاعات الرأي المتاحة، فإنه مع وجود اختلافات بين المستجوبين الشباب والمسنين، والناخبين من اليمين ونظرائهم من اليسار، فإن نسبة كبيرة منهم تربط بين الإسلام ورفض القيم الغربية، ونلمس ذلك جلياً في نظرتهم لقضية الحجاب وبناء المساجد، حيث إنه أكثر من 59 في المائة من المستجوبين، مثلاً، يعارضون ارتداء المسلمات للحجاب في الشارع.
والمشكلة اليوم، أن العديد من التيارات اليمينية المتطرفة في هولندا وفرنسا وألمانيا وجدت في الرئيس الأميركي ترامب، منذ وصوله إلى الحكم، مثالاً للاستحواذ على المجال السياسي العام. ولعل أكبر مثال على ذلك، التصريح الذي أدلى به الرئيس الأميركي سنة 2017، نقلاً عن صديق له من عشاق العاصمة الفرنسية، بقوله إن «باريس لم تعد باريس»، أي لا «أصحاب القرار هم في المستوى المطلوب للدفاع عن بلدهم، ولا سياستهم في مجال الهجرة تؤتي أكلها». 
العامل الانتخابي، وضرورة حشد عدد أكبر من أصوات الناخبين، هو السبب الذي يجعل اليوم الأجسام الغربية أجساماً مريضة بالصور النمطية عن الإسلام والمسلمين وعن كل المهاجرين، وهو الذي يولد في عقول الغربيين مقولة وجود هوية وثقافة بلدانهم في خطر، أو ما يشار إليه بالهوية المرجعية. وهذه الهوية يشعل فتيلها سياسيو الأحزاب، كلما دعت الضرورة إلى ذلك، مثلما وقع في تسعينيات القرن الماضي، عندما زحف آلاف المهاجرين من يوغوسلافيا السابقة، وطلبوا اللجوء السياسي في عدة بلدان.. ولا يمكن أيضاً تجاهل التراكمات التاريخية المغذية للمشاعر الوطنية، والتي تتجاوز حدود هولندا وألمانيا، لتشمل جل الدول الأوروبية، خاصة بعد وصول صفوة من الحكام إلى كراسي أخذ القرار، دون أن يكون لهم باع في السياسة، أو تجربة تاريخية تجعلهم يفرقون بين الدعايات الحزبية السياسوية، وما يجب أخذه من قرار للمحافظة على توازن المجتمع داخل الدولة.
*أكاديمي مغربي