نشرت منظمة الصحة العالمية، بداية الأسبوع الماضي، نتائج مسح استدلالي، عن وقع وتأثير وباء كوفيد-19 الحالي، على نظم الرعاية الصحية في 105 دول من قارات العالم المختلفة، خلال الفترة من مارس إلى يونيو 2020، وأظهرت نتائج هذا المسح أن الغالبية العظمى من نظم الرعاية الصحية في الدول المشاركة، أو 90% بالتحديد، عانت من اضطراب شديد، ومن انقطاع في الخدمات الصحية التي توفرها لأفراد المجتمع، وهي المعاناة التي كانت على أشدها في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل.

ففي الغالبية العظمى، تم تعليق الخدمات الصحية الاختيارية أي غير الحرجة، بينما تعرضت خدمات الرعاية الحرجة مثل برامج الكشف المبكر عن علاج الأمراض السرطانية، وبرامج تشخيص وعلاج مرض الإيدز، لفترات طويلة من التوقف والانقطاع، وخصوصاً في الدول الفقيرة، وتعتبر برامج التطعيمات الطبية الوطنية، من بين أكثر الخدمات الصحية التي تأثرت بشكل كبير، يليها برامج تشخيص وعلاج الأمراض المزمنة غير المعدية، ثم برامج تنظيم الأسرة، ثم خدمات الصحة العقلية والنفسية، ومن بعدهم خدمات تشخيص وعلاج الأمراض السرطانية، والتي تأثرت في 55% من الدول المشاركة في المسح.

وعلى صعيد المشاكل الصحية المحلية والإقليمية، تعرضت برامج تشخيص وعلاج الملاريا لاضطراب في 46% من الدول، وتراجعت كفاءة وفعالية كشف وعلاج الإصابة بمرض السل بنسبة 42%، وهو ما انطبق أيضاً على برامج توفير العقاقير المضادة للفيروسات والمستخدمة في علاج مرضى الإيدز، والتي شهدت هي الأخرى تراجعاً بنسبة 32%.
وفي كثير من الحالات، امتنع المرضى أنفسهم، وخصوصاً المصابون بأمراض مزمنة عن الذهاب للمنشآت الصحية لتلقي علاجهم، خوفاً من التعرض للعدوى، أو رغماً عنهم، بسبب إرشادات التباعد الاجتماعي وإجراءات العزل، التي شملت أحياناً قرى ومدناً عن بكرة أبيها، وأدت إلى توقف وسائل المواصلات، وفرض حظر التجول أحياناً أخرى، أضف إلى ذلك أنه في بعض الدول، وتبعاً للسياسات الحكومية، تم وقف بعض الخدمات الصحية اختيارياً، مثل رعاية الفم والأسنان، وخدمات العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل، وهو إن كان قد خفف الضغط نسبياً على نظم الرعاية الصحية، إلا أنه يتوقع أن تكون له تبعات صحية سلبية على أفراد المجتمع، على المدى القصير، والمتوسط، والطويل.
ولكن بخلاف تسليط المسح للضوء على التصدعات، التي ظهرت في نظم الرعاية الصحية خلال الوباء، كانت هناك عدة دروس مستفادة، ربما من أهمها ضرورة تبني استراتيجيات تدعم توفير التجهيزات والإمدادات، التي تحتاجها نظم الرعاية الصحية خلال الأوبئة، وأيضاً في الفترات التي تلي انحسارها، والتي يتوقع أن تفرض هي الأخرى تحديات من نوع فريد.

*كاتب متخصص في الشؤون العلمية