يبدو بعض الأشخاص مثل شجرة نائية، على رأس هضبة قاحلة لم تزرها الغيمة منذ ميلادها، الأمر الذي يجعل مثل هؤلاء لا يعرفون بلل الحب، ولا اخضرار أشجاره.
هؤلاء الناس يعيشون حياة الشظف، ويبذلون جهداً جهيداً لكي يعيشوا حالة الحب، وفي كثير من الأحيان يتصورون حب التملك حباً، أو العلاقة الطارئة حباً، نجدهم واجمين، ساخطين، متذمّرين، محتجّين، كون الآخر لا يتعاطف مع مثل هذه المشاعر السلبية، وعندما تصطدم رغباتهم بصدود الآخر، يشعرون بالظلم، ويتوهّمون أنهم وقعوا ضحية خديعة، أو كذبة، فينكصون إلى مراحل طفولية بعيدة، ويتدخل العقل الباطن الذي يبدأ في حياكة الصور البلاغية الرهيبة، تصوير الآخر بالشيطان الذي سرق الحقيقة، وأودى بالمصير في حفرة سحيقة، وبالتالي لابد من مقاضاته أمام الضمير وبث الشكوى، والنجوى، وإبداء اللوعة أمام الملأ، ويقول أحدهم: (سأقعد على الطريق أشتكي، وأقول مظلوماً وأنت الذي ظلمتني).
وهكذا تستمر اللوعة، والفجيعة الذاتية، واللاوعي يغذي هذا الحريق الوهمي، ويشعل نيرانه وأشجانه، حتى تذوب الذات في اللا شيء، وتنتصر العدمية، والتي تجر خلفها عبثية الإحساس، وشوفينية التفكير في العلاقة بالآخر.
هؤلاء الأشخاص هم نتاج علاقة طفولية كافة، حارقة، مكتنزة بالغبار والسعار، وسوء الحوار، هؤلاء مغمورون بمياه ضحلة، إلى درجة الاختناق، وسد الأنفاس، هؤلاء خرجوا من بين أعشاب شوكية وخّازة، نتأت الروح، وفتّتت القلب، ومزّقت كل الرؤى لعالم قد لا يبدو سوى مجرد قماشة وسخة، رثّة، متشقّقة عند ناصية الفؤاد، مبلولة بعادم زيتي حالك السواد.
هؤلاء قد نخطئ عندما نلومهم، فهم ضحايا وليسوا جناة، ولكن ما هو مطلوب، كيف التعامل مع أنصاف بشر، وأشباه مخلوقات إنسانية.
هؤلاء معضلة لأنفسهم، كما أنهم عقبة في طريق الآخرين، لأنهم بحكم إحساسهم بالنقص يختلقون القصص، والحكايات العاطفية التي قد تخدع الأبرياء، وقد تصيبهم بالجنون.
هؤلاء شكل مختلف للمرايا الناصعة، هؤلاء زجاجات فارغة، ألقيت في الطريق، فلابد أنها سوف تجرح، وسوف تصيب الآخرين بالأذى.
هؤلاء بشر مشوّهون، والأسباب كثيرة ومعقّدة، ولا يعالجها من يقع في الشرك الأليم.
هؤلاء فكرة ضائعة، فقد تصطدم بحائط سميك، فتتحطّم، وقد تلتقي بإسفنجة، فتندس في مسامها، فتعجف الإسفنجة، وتنتهي إلى نهاية مريرة ومفجعة.