في مجلد سميك من 522 صفحة، عاد نيكولا ساركوزي للتذكير بنفسه، مسجلاً مذكراته عن السنتين الأوليين له في مأموريته الرئاسية. وبسرعة تصدّر الكتاب قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا. ومع أن نيكولا ساركوزي قد تجرّع الهزيمة خلال الانتخابات الرئاسية 2012 في مواجهة فرانسوا أولاند، كما خسر أيضاً الانتخابات التمهيدية لليمين في 2017، إلا أنه، مع ذلك، ما زال يحتفظ في فرنسا بمكانة خاصة في الأذهان. ولئن كان يقول إنه قد اعتزل السياسة، إلا أن حضوره الإعلامي، مع ذلك، ما زال أيضاً قوياً، إلى حد جعل البعض يتهمه، صراحة أو ضمناً، بالحيلولة دون ظهور زعامة جديدة تخلفه على رأس أسرته السياسية.
ويعترف نيكولا ساركوزي عادة صراحة بأنه شغوف بإثارة العواصف والزوابع الإعلامية، بل إنه يبحث عنها أحياناً، لأنها تشكِّل، حسب تعبيره، جزءاً من هويته الشخصية والسياسية، (ويستدعي الكتاب هذا في عنوانه «زمن العواصف»). ولذلك سعى ساركوزي دائماً إلى البقاء في دائرة الضوء وجعل نفسه محل اهتمام، حيثما كان وأينما وُجد. وككل سيرة ذاتية، يسعى المؤلف هنا أيضاً في هذا الكتاب إلى تضمين شهادته دفاعاً مستميتاً عن سياسته خلال توليه مقاليد السلطة، سعياً لنيل مزيد من الإنصاف في الحكم عليها.
وفي كتاب المذكرات هذا، يشرح ساركوزي باستفاضة وتفصيل طبيعة علاقاته مع دول الخليج. وهنا يؤكد أنه قد شعر بإمكانية انفتاح فرنسا بشكل أكبر، على هذه البلدان، المعروفة لأسباب تاريخية، بأنها أقرب عادة إلى البريطانيين والولايات المتحدة. ولكن جرت مياه كثيرة تحت الجسر، وفقدت المملكة المتحدة كثيراً من تأثيرها وقوّتها، كما أن البلدان العربية تسعى هي أيضاً لتنويع شركائها. وحتى لو لم يعترف صراحة بأنه قد استشرف ذلك خلال زيارته الأولى إلى المنطقة سنة 2009، فقد لاحظ، تالياً، أن أميركا أوباما قد خيبت عملياً آمال هذه البلدان، في مواجهة جسامة التحدي الذي تمثله إيران بالنسبة لها.
وعن هذا كتب ساركوزي: «هنا أدركتُ في الحال أن ثمة مكانة كبيرة يمكن أن تشغلها فرنسا، وأن ثمة صداقات صلبة يمكن بناؤها لها» في المنطقة. وإلى جانب هذا يضاف أيضاً اعتبار استراتيجي بالغ الأهمية: «لقد استشعرتُ باستياء متنامٍ توجهات النظام الإيراني.. فمساعي هذا النظام لحيازة السلاح النووي تمثل عملياً تهديداً جسيماً جداً، وتجعل أيضاً من الصعب للغاية بناء علاقة ثقة مع الأمة الشيعية الكبيرة. وفي خضم هذه الظروف أردتُ تقوية تحالفنا مع الدول السُّنية في المنطقة. وكل هذا لا يمكن إلا أن يكون مكسباً وشيئاً جيداً بالنسبة لفرنسا»، في النهاية. 
ويتوقف ساركوزي هنا تحديداً لتسجيل إعجابه الشديد بالبلدان التي نجحت بشكل ملحوظ في استثمار عائداتها من النفط والغاز، على أفضل نحو، وتمكنت، في غضون أقل من ثلاثة أجيال، من إحداث تحول هائل بمكاسب ومنجزات التنمية والتقدم لصالح شعوبها. كما يشيد أيضاً، بشكل خاص، بذكاء استراتيجيات الاستثمار، وجودة وتميُّز الخيارات المعمارية والسياسات الحضَرية، في هذه الدول ذات السياسات الاقتصادية الناجحة التي تكشَّفت سريعاً عن الصعود الاقتصادي والنماء والإعمار والازدهار. وهنا يكتب حرفياً: «لا يوجد سوى أمثلة قليلة عبر العالم مثل هذه التجارب في التنمية السريعة، والناجحة، والسلمية». ولذلك رأى في هذه البلدان كل فرص النجاح لتجاوز التحدي الجسيم المتمثل في مسألة المواءمة بين الإسلام والحداثة، وإن كان يأسف أيضاً، في هذا المقام، للصعوبات الجسيمة التي واجهها هو شخصياً على مستوى المشهد السياسي الداخلي الفرنسي في جهوده لتمرير هذا التقارب وجعله يكسب الرهان، في نهاية المطاف، وذلك بحكم التأثير السلبي لبعض الحملات الإعلامية، التي يصفها بعدم التوازن، والموجهة ضد بعض بلدان الخليج، وهي حملات لم تكن تمر بدون أن يكون لها تأثير سلبي، أحياناً، على توجهات الرأي العام الفرنسي. وكان ساركوزي يرى لهذا آثاراً ضارة، على كل حال، لقناعته الراسخة بأن من مصلحة فرنسا جذب المستثمرين الخليجيين إليها بدلاً من التعامل فقط مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. 
وقد رسم ساركوزي في كتابه بعبارات التقدير والثناء صورة متميزة ومتألقة لولي عهد أبوظبي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حيث كتب: «نادراً ما التقيت قائداً بمثل هذه الرؤية الرفيعة، والواضحة والمتسقة». وهنأ نفسه أيضاً على تأسيس مشروع متحف اللوفر بأبوظبي، الذي وصفه بأنه «إنجاز ثقافي باهر»، وكذلك جامعة السوربون في أبوظبي لما لها من دور إيجابي كبير في نشر الثقافة الفرنسية.
وكما يمكن أن نتوقع، يستحضر ساركوزي أيضاً في مذكراته، كيفما اتفق، جوانب من علاقاته مع جورج دبليو بوش، ثم باراك أوباما (الكتاب يغطي فترة عامي 2007-2009)، وكذلك العلاقات مع فلاديمير بوتين، والصين، وتأسيس مجموعة الـ20 أثناء الأزمة الاقتصادية العالمية حينها، ودوره في كل ذلك، وخاصة أنه لم يكن يومذاك رئيساً لفرنسا فقط، بل كان أيضاً رئيساً للمجلس الأوروبي (بموجب الرئاسة الدورية كل 6 أشهر).
*مؤسس ومدير «معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية»- باريس