تسعى الهند لتقديم مساعدات تنموية في منطقة الجوار باعتبارها جزءاً محورياً من سياستها الخارجية، ضمن مسعى يهدف إلى مد يد العون للجيران أملاً في تحقيق خططهم التنموية التي يسارعون في تفعيلها حاليا. وأعلنت الهند في الأيام القليلة الماضية، أنها عززت مساعداتها التنموية لجزر المالديف لبناء جسر يتكلف 500 مليون دولار ليربط أربع جزر مما يعزز دور الدولة الجنوب آسيوية في المالديف. والصفقة تتضمن قرضاً وخط ائتمان لبناء جسر ومعبر بطول 6.7 كليومتر. والجسر الذي يُطلق عليه «مشروع ربط ماليه العظيم» يصل بين العاصمة «ماليه» وبين جزر فيلينجيلي وتايلافوشياند وجلهيفاو. وتشارك الهند في جزيرة جلهيفاو أيضا في بناء ميناء عن طريق خط ائتمان. وأُعلن هذا بعد محادثات بين وزير الخارجية الهندي «جائي شانكر» ونظيره المالديفي عبد الله شهيد في الأيام القليلة الماضية. 

ويأتي إعلان بناء الجسر بعد عامين من لفت الصين الكثير من الانتباه لإقامتها جسر الصداقة الصيني المالديفي الذي يكلف 200 مليون دولار ويربط العاصمة بجزيرة هولهول التي يوجد بها الميناء الجوي. لقد كان مشروع يمثل علامة مهمة ضمن طائفة كبيرة من الاستثمارات الصينية تضمنت إقامة مدرج طائرات ومشروعات إسكان لتعزيز تواجد الصين في المالديف، الأرخبيل الذي يضم أكثر من 1192 جزيرة ويحتل موقعا استراتيجيا في المحيط الهندي. واتبعت المالديف تقليدياً «سياسة الهند أولا»، لكن الدولة الأرخبيلية توجهت نحو الصين أثناء النظام السابق للرئيس عبد الله يمين من أجل تنويع علاقاتها. واستعاد الرئيس الحالي إبراهيم محمد صويلح منذ وصوله إلى السلطة عام 2018 العلاقة الوثيقة التقليدية مع الهند. لكن الصين ما زالت مستثمرا قويا في المالديف. وفي مقابلة في الآونة الأخيرة مع وكالة أنباء «شينخوا» الصينية، صرح وزير الخارجية المالديفي عبد الله شهيد أن الصين «ستظل شريكا اقتصاديا وتنمويا ثنائيا مهما للمالديف». ويفد نحو 300 ألف سائح صيني من إجمالي 1.7 مليون سائح يأتون سنويا إلى المالديف التي يعتمد اقتصادها كثيراً على السياحة. 

وتولي الهند اهتماماً خاصا لعلاقاتها بالمالديف التي تمثل محوراً لاستراتيجية الهند في آسيا والمحيط الهادئ. وأول زيارة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للخارج بعد فوزه بفترة ولاية أخرى العام الماضي كانت للمالديف حيث دشن نظاما للرادار الساحلي ومركز للتدريب الدفاعي. وهناك من الواضح محاولة لتعزيز الشراكة مع المالديف. وذلك في إطار استراتيجية هندية لتعزيز العلاقات مع دول الجوار، وضمن هذا الإطار، بذلت الهند مسعى خاصاً لرعاية الجوار. فقد قدمت مصلحة السكك الحديد الهندية عشر قاطرات ديزل لبنجلادش، والقاطرات ستساعد هذا البلد في معالجة العدد المتزايد من المسافرين وعمليات الشحن بالقطارات. 

مسعى نيودلهي لتوثيق علاقاتها مع دول الجوار، هدفه الأول تطمين هذه الدول بأن الدعم الذي يتلقونه من الهند متواصل. وفي مارس هذا العام، أخذت الهند زمام المبادرة في اقتراح نهج موحد لرابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، المعروفة اختصاراً باسم «سارك» للتصدي لجائحة فيروس كورونا، الذي كان جزءاً محورياً من سياسة التعاون مع الجوار. صحيح أن باكستان لم تكن جزءا من المبادرة، لكن كل من أفغانستان وبنجلادش وبوتان والهند والمالديف ونيبال وسريلانكا شاركوا في صندوق للرعاية الصحية مبتدئين بعشرة ملايين دولار من الهند لمساعدة الدول المحتاجة. وقدمت الهند أيضا فريق استجابة سريعة من الأطباء وعمال الرعاية الطبية وأدوات الاختبارات. ومنذ مارس الماضي، أُجريت مؤتمرات صحفية لكبار المتخصصين الصحيين لدول «سارك» في غمرة جهود لمكافحة انتشار كوفيد-19 بما في ذلك اتفاقات معينة تتناول إجراءات الفحص عند نقاط الدخول. 

ومازالت الهند في حاجة لمواصلة العمل مع الجيران ومازال التواصل المستمر مهما في وقت تتغير فيه جنوب آسيا أيضا في غمرة تزايد أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للقوى الكبرى. وليس كل العلاقات الثنائية تمضي بسلاسة. فبعض دول الجوار الصغيرة تشعر بأن الهند تتبنى شعور الشقيق الأكبر المهيمن، باعتبار الهند أكبر دولة في الجوار. ولذا تفضل بعض الدول الصغيرة تحقيق التوازن في علاقاتها بين الصين والهند. 

وتسير علاقات الهند في الوقت الحالي مع نيبال، بل حتى مع بنجلادش، على طريق وعرة. فقد شهدت نيبال والهند اندلاعا مفاجئا لخلاف حدودي قديم يجري الآن معالجته عبر المحادثات. وبالمثل، أدى الجدل المتعلق بقانون تعديل الجنسية الذي استخدمت فيه لغة غير موفقة ضد المهاجرين من بنجلادش، إلى انتقادات داخل بنجلادش. ومن ثم زار وزير الخارجية الهندي بنجلادش الشهر الماضي في مسعى لإعادة تنشيط العلاقات مع بنجلادش. والزيارة غير المخطط لها سلفا جاءت عشية ظهور تقارير تفيد أن الصين مستعدة لتقديم مليون دولار لدكا لإقامة مشروع على نهر تيستا. واجتمع وزير الخارجية الهندي مع رئيسة الوزراء شيخة حسينة واجد لتطمينها بأن الهند ما زالت ملتزمة بتعزيز علاقاتها الممتازة مع بنجلادش. والجدير بالذكر أنه بفضل تعاون حكومة شيخة حسينة، تراجعت أعمال العنف والإرهاب في ولايات الهند في الشمال الشرقي. ومن الواضح أن الهند تبذل جهوداً هذه الأيام للحفاظ على استقرار العلاقات مع الجيران.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيو دلهي