لم تشهد عاصمة عربية بريقاً واسعاً ولامعاً منقطع النظير، وسمعة قوية ضاربة بالذاكرة والوجدان، وحضوراً إعلامياً وثقافياً وأدبياً وفنياً مكثفاً، مثلما حصلت مدينة بيروت من حضور لافت وتأثير قوي في الإعلام، حتى أنها لقبت (باريس الشرق)، في تلك المرحلة الزاهرة والمزدهرة الماضية، التي ذاع صيتها وحصلت على بريق لامع لم تحصل عليه أي عاصمة عربية أخرى في تلك الحقبة المنصرمة من أيام الزمن الجميل.
ومثلما كانت بيروت تعج بالمثقفين والكتاب والإعلامين والصحفيين والفنانين والمبدعين، بعد استقلال لبنان عام 1946م. 
اليوم للأسف تعج بالدكاكين السياسية فارغة المحتوى، وأيضاً تعج بـ«أمراء الطوائف» والمذاهب والميليشيات الطائفية المسلحة، التي تمردت على الهوية الوطنية، ولفعت أيقونة لبنان بالسواد، وهؤلاء أتوا إلى هذه المدينة الجميلة المرموقة، ليجلبون لها الويلات والتمزق والدمار وخراب الديار.
حيث (انفجرت)، بيروت قهراً وغضباً، من هول ما وقع عليها من ظلم وحيف وتهميش وتشويه لملامح ثغرها المبتسم، انكشفت القوى المغرضة التي ارتكب بحقها كل وسائل الإجرام والعنف تحت مسميات وعناوين واهية، حتى إنها أصبحت حزينة تئن تحت ركام وشظايا وأشلاء متناثرة تحت الركام.
وحين زارها الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون)، زيارتين متتاليتين، الذي تربطه بالرئيس اللبناني (ميشيل عون)، علاقة قديمة حينما لجأ الأخير إلى باريس وعاد إلى لبنان، فإن هذه الزيارة رسالة لحكومات وزعامات لبنان وسياسيها، بأنهم غير قادرين على إدارة البلاد كما كانت تدار من قبل الاحتلال الفرنسي، وكأن واقع الحال يشعرهم بأنهم لازالوا بحاجة إلى الانتداب الفرسي أيام زمان، حتى أن بعض اللبنانيين طالبوا بإعادة الاحتلال الفرنسي لبيروت من جديد. وهذا انعكاس لحالة اليأس التي شعر بها اللبنانيون، وترجمة ً لغياب الأمل في تحسن، أو تغيير يوجه بوصلة الأمور نحو واقع أفضل. وكأن من يطالبون بعودة الانتداب ضاقوا ذرعاً بكل هذه الحكومات والمحاصصات الطائفية المقيتة، التي أوصلت لبنان إلى هذه الحالة المزرية والمخجلة والمتردية والمتدهورة.
وحين يزور الرئيس الفرنسي الفنانة اللبنانية فيروز، في منزلها ويكرمها بنفسه، فإن هذا المشهد يمكن اعتباره انتقاصاً من كل السياسيين ورؤساء أحزاب الطوائف والمذاهب والميليشيات اللبنانية. فمضامين هذه الزيارة بالنسبة للقوى السياسية اللبنانية واضحة، مفادها أنكم عاجزون ومفلسون سياسياً ووطنياً، وكأنه يقول لهم، لا تستطيعون أن تقدموا للبنان شيئاً مثلما قدمته مطربة، ولم تثبتون قدراتكم وولائكم كما تبث موقف صوت (فيروز)، الذي انحاز أولاً وأخيراً إلى لبنان كلها من دون طائفية ومذهبية وعرقية وحزبية، واتفق كل اللبنانيين عليها ووحدهم صوتها العذب من دون أراقة دماء وبلا عمائم سوداء وبيضاء، وكان صوتها الشجي أقوى وأشجع وأصلب، من صوت دوي انفجاراتكم الملغمة وعبواتكم الناسفة، وأقنعتكم المزيفة وأسلحتكم التي قتلت بعضكم البعض. 
الزيارتان اللتان قام بهما «ماكرون» إلى لبنان، كانتا محاولة لإيجاد حل، يوقف خراب لبنان ويضع حداً لتدميره واختطافه.
ورسالة اللبنانيين الآن، للقوى التي لا يهمها استقرار هذا البلد ونمائه، باتت واضحة ومضمونها كالتالي: أيها العاجزون حتى عن تنظيف الشوارع، وإزالة الركام عن جثث القتلى والمفقودين والجرحى، من الأطفال والنساء.. كفى اختباءً تحت أقبيتكم المشبوهة ومخازنكم المعبئة بالمتفجرات، التي قتلت الناس وأرعبت العصافير وهربت من أغصان شجرة الأرز، لتقف على الأسلاك الشائكة هرباً من الجحيم، الذي خلفتموه لهذه المدينة الآمنة الجميلة، التي كانت مصيفاً وملاذاً آمناً لكل العرب والديانات والمذاهب. 
*كاتب سعودي