اختتم المؤتمران السياسيان «الديمقراطي» و«الجمهوري» أعمالهما، ودخل السباق على رئاسة الولايات المتحدة الشهرين الأخيرين. في غياب بعض الأحداث المفاجئة، سيهيمن موضوعان على هذه الفترة: إدارة دونالد ترامب لأزمة كوفيد -19، وقدرة جو بايدن على إثبات أنه، على الرغم من عمره، لديه القدرة على التحمل والكفاح من أجل التغلب على ترامب في صناديق الاقتراع. أما ترامب وفريقه، فهم عازمون على تصوير «بايدن» على أنه كبير في السن، وغير قادر على تجاوز ثلاث مناظرات والإعلانات السلبية للغاية التي ستُطلق ضده. لكن القضية الوحيدة التي يشعرون فيها بأنه الأكثر ضعفاً، تتعلق بالقانون والنظام والعنف المستمر في الشوارع، الذي استمر لأسابيع في عدد من المدن، بما في ذلك مينيابوليس وبورتلاند، وفي الآونة الأخيرة أيضاً كينوشا في ولاية ويسكونسن، حيث قُتل رجل أسود آخر من قبل الشرطة.
بدأت أعمال العنف هذه في التفشي في البداية، رداً على القتل الصارخ وغير المبرر لجورج فلويد على يد رجال شرطة مينيابوليس، في الخامس والعشرين من شهر مايو الماضي. فقد ضرب هذا الحدث وتراً حساساً في النفس الأميركية، وأصبح ليس فقط قضية وطنية، ولكن سرعان ما أصبح قضية دولية تتعلق بالوحشية تجاه الأقليات في العديد من البلدان. كانت الاحتجاجات واسعة النطاق، سلمية في البداية خلال ساعات النهار، وضمت العديد من المواطنين البيض المضطربين بسبب العنصرية الممنهجة والعنف ضد الأقليات. ولكن كما هو الحال دائماً، كانت هناك مجموعات صغيرة من المتطرفين مصممة على استخدام العنف، كجزء من احتجاجاتهم، مما أدى إلى اعتداءات على ضباط إنفاذ القانون، وتخريب الممتلكات، بما في ذلك المباني الفيدرالية. وحتماً، تضمنت التغطية التلفزيونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، مشاهد العنف التي حددها مؤيدو ترامب على الفور، كدليل على تأثير الجماعات المتطرفة اليسارية، التي لم يكن «جو بايدن» قادراً، أو غير راغب، في مواجهتها.
واحتشد «الديمقراطيون»، خاصة بايدن وفريقه، قائلين: إن حوادث العنف تجب إدانتها بشدة، وإن الجماعات اليمينية المتطرفة، بما في ذلك «النازيون الجدد»، تستخدم العنف أيضاً، والأهم من ذلك كله، أن ترامب نفسه يؤجج نيران الغضب، ويشجع الفوضى، بدلاً من العمل على منعها. يعتقد فريق ترامب أن العديد من الناخبين المتأرجحين مرعوبون من أعمال العنف اليومية، وأنهم سيكونون أقل ميلاً للتصويت على رئاسة بايدن، التي «تتساهل مع الجريمة». وهم يستشهدون باستطلاعات الرأي التي تظهر أن الدعم لحركة «حياة السود تهم» قد تراجع، وأن «بايدن» مدين بالفضل لجناحه اليساري، وغير قادر على وقف العنف.

المفارقة هي أن هجمات ترامب على بايدن، ستكون أكثر منطقية إذا كان بايدن، وليس ترامب، هو الرئيس. ويتعين على ترامب أن يشرح سبب حدوث العنف في ظل حكمه، ولماذا سيزداد الأمر سوءاً في عهد بايدن؟ هذه قضية يصعب طرحها وحجته الأكثر وضوحاً، هي أن معظم العنف يحدث في الولايات أو المدن التي يسيطر عليها «الديمقراطيون».
وجزء من المشكلة، هو أن العديد من المتظاهرين يأتون إلى الفعاليات وهم مسلحون بالكامل بمجموعة كاملة من الأسلحة، بما في ذلك البنادق الهجومية، وفقاً لحقهم المنصوص عليه بموجب التعديل الثاني لدستور الولايات المتحدة. عندما تثار الأعصاب في هذه المواجهات، يكون من السهل جداً على شخص ما استخدام البندقية. لهذا السبب، كان هناك عدد من عمليات إطلاق النار العشوائية من قبل المتظاهرين، من «اليسار» و«اليمين»، في بعض المسيرات.
في الواقع، فإن العنف الذي شوهد حتى الآن في المدن الأميركية خلال هذا الصيف يتضاءل، مقارنة بالأحداث التي وقعت في العقود الأربعة الماضية من القرن الماضي، عندما تم تدمير مجمعات سكنية بأكملها، وكانت أعداد الضحايا أعلى من ذلك بكثير. لكن اليوم، في عصر التغطية المستمرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وحيث إن كل شخص مزود بكاميرا في هاتفه المحمول، أصبحت الأحداث الصغيرة أخباراً تتصدر الدورة الإخبارية على مدار 24 ساعة.

ستكون الأسابيع القليلة المقبلة من أكثر الأسابيع إثارة للجدل، والأكثر مرارة في السياسة الأميركية في الآونة الأخيرة، ولا يزال الصراع للفوز بالبيت الأبيض متساوياً. من الممكن أن يحدث الكثير قبل الثالث من نوفمبر المقبل، بما في ذلك المناظرات، وحالة الوباء، وبيانات حول حجم الركود الاقتصادي، والخطوات التي يجب اتخاذها لتحقيق الانتعاش. ومن ناحية أخرى، فإن كلا المرشحين يتجاوزان السبعين من العمر، لذا لا يمكن استبعاد حدوث مشكلات صحية. تشير جميع الدلائل إلى أن الانتخابات ستكون مثيرة للجدل، وإذا كان الأمر كذلك، فقد لا تكون النتائج معروفة لعدة أيام، أو حتى أسابيع.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست»