سياسة المواجهة التي تنتهجها تركيا مع أكثر من دولة أو جماعة أو تيار، دليل قاطع على أن بوصلة أنقرة ضلت طريقها.
وعلى ضوء هذا السيناريو، شنت صحيفة «Washington Post»، هجوماً عنيفاً على الرئيس التركي، ووصفته بالديكتاتوري الذي ينكل بخصومه المنتخبين والناقدين وغيرهم، وذكرت أن تركيا الديمقراطية تموت فعلاً في عهد أردوغان الذي فقد شعبيته.
وأشار التقرير إلى اشتداد قمع تركيا لأحزاب المعارضة وجماعات المجتمع المدني والمنشقين بعد مزاعم انقلاب فاشل في عام 2016.
هذه التصرفات التي ينتهجها أردوغان مع شعبه الذي يتكون من كل الاتجاهات، ومن بينها اتجاه تيار «العدالة والتنمية»، لكن يبدو أن هذا النظام يريد فرض رؤيته على الشعب التركي بكل أطيافه السياسية. 
حتى مع إسرائيل هناك لغط سياسي سببه تركيا، حول الغاز، وفي هذه النقطة، نشرت وكالة «Bloomberg»، مقالاً لـ«سيث فرانتزمان»، قال فيه إن خط أنابيب الغاز عبر المتوسط يضع إسرائيل في مواجهة مباشرة مع تركيا.
وأشار «فرانتزمان» إلى أن الحكومة الإسرائيلية أقرت صفقة لنقل الغاز عبر خط أنابيب بحرية من قبرص واليونان إلى أوروبا، فالخط البالغ طوله 1900 كيلومتر يربط حقول الغاز في حوض شرق المتوسط بالأسواق الأوروبية، وأن اهتمام إسرائيل بشرق المتوسط يأتي بناءً على التحالف مع اليونان وقبرص.
ماذا لو حدث اشتباك عسكري بين إسرائيل واليونان مع تركيا، في الوقت الذي يعتبر إسرائيل وتركيا حليفان ولكن تركيا مع اليونان وقبرص ليستا كذلك، فالصراع هنا يحسم لصالح من؟!
لقد أثارت تحركات تركيا في هذه المنطقة الحساسة حفيظة حليفتها الكبرى أميركا التي تتربع في قاعدة «أنجرليك»، قاعدتها العسكرية المغروسة في القلب التركي.
أميركا تطالب تركيا بوقف التنقيب شرقي المتوسط وبإلغاء إجراءاتها بالقرب من جزيرة «كاستيليريزو» اليونانية في البحر المتوسط.
وحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية:«تدرك الولايات المتحدة أن تركيا أصدرت تنبيهاً للتنقيب في المياه المتنازع عليها في شرق البحر الأبيض المتوسط، وندعو السلطات التركية لوقف جميع خطط العمل، وتجنب الخطوات التي يمكن أن تؤدي إلى زيادة التوترات في المنطقة».
وتثير أنشطة تركيا في شرق المتوسط ردود فعل شديدة من قبرص واليونان ومصر والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذي كرر مرارا تحذيراته لأنقرة. وفي يناير 2020 اجتمع وزراء خارجية مصر وفرنسا وقبرص واليونان في القاهرة، وأصدرت الدول الأربع بيانا مشتركا أعربت فيه عن قلقها البالغ إزاء «الخروقات» التي قامت بها تركيا في منطقة شرق المتوسط.
ولم تكتف أميركا بهذا الحد فقد تقدمت مسافة أكبر إلى الأمام عندما أعلنت سفارتها في قبرص، أنها تعتزم إجراء تدريبات عسكرية مع قبرص للمرة الأولى في خطوة قد تغضب تركيا حليفتها في حلف شمال الأطلسي. ويندرج هذا التعاون ضمن برنامج التعليم والتدريب العسكري الأميركي الدولي الذي يهدف إلى تدريب ضباط أجانب وتعزيز التعاون بين الدول الصديقة والقوات الأميركية.
وقامت تركيا بسحب سفنها الحربية، التي نشرتها في البحر المتوسط، تأهباً لعمليات التنقيب عن الغاز. وقال وزير الخارجية اليونانية إن سلوك تركيا «غير القانوني» في شرق البحر المتوسط يهدد تماسك حلف شمال الأطلسي (الناتو) وعلاقات أنقرة مع الاتحاد الأوروبي.
وأدى ذلك الوضع إلى تدخل الاتحاد الأوروبي من أجل التخفيف من حدة هذه الأزمة حيث صرحت وزيرة الخارجية الإسبانية إن المحادثات التي جرت في تركيا ساعدت على تخفيف حدة التوتر بين أنقرة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول عمليات التنقيب عن الطاقة التي تجريها تركيا في البحر المتوسط، وأضافت أن توقفًا مؤقتاً لمدة شهر عن عمليات الحفر هو أمر ممكن الحدوث. تركيا تغضب الاتحاد الأوروبي، وتثير التوتر في شرق المتوسط، وتربك محيطها الإقليمي بتوغلات في العراق وسوريا، وتدخلات سافرة في ليبيا..فما هي بوصلة أنقرة؟!
*كاتب إماراتي