العواطف رياح والتفكير سفينة، عندما تشتد رياح العواطف، فلابد من انحراف سفينة التفكير وجنوحها باتجاه الصخور، ثم تحطمها.
الإنسانية المعذبة، تواجه قصفاً، ونسفاً، وتعسفاً من اشتداد رياح العواطف، والتي غالباً ماحطّمت أسساً، ودمّرت ثوابت، وكسرت أغصاناً، وأطاحت بقيم، وأردت شيماً، وأودت بكرامة. اليوم والعالم يشيح وجوماً تجاه المبادئ، ويذهب بعيداً في نجواه، وشكواه، ويمارس عنفاً مريعاً بحق نفسه والآخر، بسبب هذه العواطف التي بنيت على أنقاض أوهام، وصور مدلهمة، وخيال جم، جعل الوهم حقيقة، والحقيقة خيمة، تعيث بها الأغراض الشخصية، والطموحات الأنانية، والرغبات الذاتية، وتجعل من الإنسان أشبه بموجة تتكسّر على شاطئ يغرورق بدموع الفشل، والضياع، والشتات، والانحلال الأخلاقي، والذوبان في مواقد الحماقة، والعصبية الذاتية، أو الحزبية، أو الطائفية، أو العرقية، أو اللونية. لا توجد حقيقة دامغة تدعو لمثل هذه الفوارق، ولكن العواطف هي التي تزرع هذه الأشواك في طريق البشرية، وتجعلها فريسة تحت السطوة والغطرسة العاطفية.
عندما نتأمل المشهد الإنساني، وما يحدث في المجتمعات والدول، نرى بأن هناك قوة خفية، تكمن خلف كل دمار وخراب يعم العالم، وهذه القوة هي مدموغة بخاتم العاطفيين، والذين تصل بهم الحالة في كثير من الأحيان الاعتقاد بأنهم الأوصياء، وأنهم يملكون ناصية الحقيقة، ومن يقف في الجهة الأخرى فهو كائن بغيض، وعدو لا يمكن السكوت عنه، وعليه يتوجب القضاء عليه وتدميره، ليصبح المشهد عاطفياً بامتياز، يغطي كل أوجه الحياة لأولئك العاطفيين، الذين أعمتهم العاطفة عن رؤية الحقيقة كما هي، لتراها أعينهم المغبّشة كما تهواها أنفسهم، وتسير على منوالها كل جوارحهم.
حروب تشن، ومعارك تُدار، وخراب يعم البشرية، لأن العاطفة رسمت صورة ما، في عيني فئة من الناس، ولم ترَ غيرها، الأمر الذي يجعل من قدسية تدمير الآخرين لدى العاطفيين، والذين قد يتصورون نبوءات، وكرامات تخص كل من يتبنّى الفعل العاطفي، ولذلك لا يمكن أن يرف جفن للعاطفي عندما يمحق ويسحق، ويلحق الأذى بالآخر، لأن عاطفته العمياء تسوّل له بأن ما يقوم به هو من فعل «سماوي»، تؤيده عليه يد الله، وتشد من أزره. إذن إذا أردنا أن نتّقي شر الخطيئة، علينا أن نلتفت نحو العقل قبل العاطفة.