تثبت دولة الإمارات دائماً أنها لا تشبه إلا نفسها، فإن شفافيتها وصدارة موقفها هما عنوان الإمارات للمضي قدماً إلى مستقبل أفضل في منطقة يسودها الاضطراب، بل إن الاستقرار يعتبر فيها استثناء، فإن قرار الإمارات الاستراتيجي في إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل، وذلك أعقاب إعلان الإمارات عن معاهدة السلام مع إسرائيل، واستقبال الوفد الإسرائيلي والأميركي في الإمارات، تشبه صدارة مواقفها العربية من حيث بناء محطة نووية سلمية وإطلاق «مسبار الأمل» إلى المريخ، فإن تدرج الإمارات في استئناف علاقاتها مع إسرائيل بعد 70 عاماً من الصراع العربي الإسرائيلي، وذلك ابتداءً من استضافة إسرائيل في المقر الدائم لوكالة الدولية للطاقة المتجددة في أبوظبي، والأولمبياد الخاص بالألعاب العالمية عام 2019، والترحيب بمشاركتها في إكسبو دبي 2021، ما هي إلا رؤية تحققت بعد سنوات من أجل صناعة السلام، مما انعكس ذلك بالنفع في وقف مشروع ضم أراضي الضفة الغربية إلى إسرائيل، وإعطاء فرصة للحوار والدبلوماسية بين جميع الأطراف المتنازعة من دون هضم الحقوق الفلسطينية أو التأثير السلبي على المصالح العربية، نظراً لاستمرار عدم التكيف العربي مع حتمية الوجود الإسرائيلي في المنطقة. 
من المؤكد أن معاهدة السلام مع إسرائيل، أتت بعد تقييم دقيق للأوضاع الجيوسياسة في المنطقة وبروز قوى إقليمية في عالم تعددت فيه الأقطاب، فإن إعادة تعريف الفرص والتهديدات والتمييز بين الأصدقاء والأعداء، هو التكيف السليم للدول القادرة على تصميم استراتيجيتها في المجال الإقليمي والمتمثل في قبول التعددية الدينية، ونذكر هنا على سبيل المثال، ترحيب الإمارات بالبابا فرنسيس عام 2019، وبزيارته للدولة مما بعث ذلك برسالة مهمة إلى مروجي الأيديولوجيات المتطرفة أو الإرهابية، رسالة تؤكد حتمية التعايش الإنساني المشترك. 
رأت الإمارات في معاهدة السلام فرصة مميزة، وفي التوقيت المناسب لخدمة المصالح الفلسطينية، انطلاقاً من تعاظم دور الإمارات الأصيل في دعم الأشقاء الفلسطينيين منذ تأسيس الإمارات، على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، العلاقات الإماراتية- الإسرائيلية تمنح ورقة تفاوضية أكبر في تحريك الإجماع على الجمود العربي للقضية الفلسطينية، وكلما قال المتاجرون بالقضية الفلسطينية «لا» للمفاوضات أو لا للاتفاق مع إسرائيل، كلما زادت الأمور سوء وتعرضت فلسطين لخسارة أكبر وفقدان المزيد من أراضيها، ذلك أن الاستيطان يفرض معطيات ديموغرافية جديدة لمصلحة إسرائيل. 
وأخيراً، ستثبت الأيام القادمة أن الإمارات وضعت القضية الفلسطينية ضمن أولويتها الدائمة في سياستها الخارجية، حيث لدى الإمارات رؤية متكاملة وخاصة باتجاه مستقبل «حل الدولتين» بشكل دائم، من أجل تحقيق السلام والأمن والتنمية المستدامة في كل أرجاء العالم العربي، فإن مصداقية الإمارات وشجاعتها ستعيد إحياء القضية الفلسطينية، من خلال دورها كقطب عربي وإقليمي معتدل يصيغ مستقبل المنطقة، بناءً على الفعل وليس ردة الفعل. 
*باحث إماراتي في القضايا الجيوسياسية