حالة الفشل المزمن في إدارة الملفات والقضايا القومية في العالم العربي، امتدت منذ تأسست الجامعة العربية عام 1945، وكان سببها الأبرز عدم مواكبة المتغيرات والتصلب في المواقف والتأخير في اتخاذ القرارات المناسبة، وقد تمثل ذلك الفشل - عموماً- في عدم إحراز أي تقدم في القضية الفلسطينية على مدى اثنين وسبعين عاماً منذ احتلال فلسطين عام 1948، وربما كان ذلك نتيجة عدم إدراك الدول العربية بين ما هو مرغوب في السياسة، وما هو ممكن مع مرور الوقت.
ومن الواضح أن المزايدين، طوال العقود الماضية، لم يتقنوا إلا الكلام ونقد مواقف الآخرين والهجوم على كل من يخالفهم الرأي، بل ويخونونه، دون أن يقدموا شيئاً يذكر للقضية العربية، علما بأنه لم تكن لديهم القدرة، أو ربما النية الصادقة في يوم من الأيام، لفعل ما يلزم لحل القضية، خاصة عندما كانت تتكسر شعاراتهم الوطنية على صخرات مصالحهم الشخصية وغير المعلنة، وبقيت لغة العرب خشبية ومتوقفة مع عقارب الزمن منذ اثنين وسبعين عاماً، عندما رفضوا القرار 181 في الأمم المتحدة عام 1947، والقاضي بتقسيم فلسطين إلى دولة عربية/فلسطينية ودولة إسرائيلية، بينما اعترفت بالقرار أغلبية دول العالم، بما فيها الدول الكبرى، لتصبح قضية فلسطين بعد ذلك قضية مصيرية، واختبار لمدى تمسك الدول العربية بقوميتهم وعروبتهم.
لقد استغرقت الدول العربية المعارضة لإعلان قيام دولة إسرائيل أكثر من أربعين عاماً أخرى لتشهد بأمر كان مقضياً، ولتصبح إسرائيل واقعاً لا يمكن نكرانه بالشعارات، فحرمهم ذلك من إعلان قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، والمفارقة أن هذا الأمر تكرر بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967، حيث اجتمع العرب وأعلنوا عن لاءاتهم الثلاثة في قمة الخرطوم في 29 أغسطس عام 1967؛ لا صلح، ولا اعتراف، ولا تفاوض، رافضين بطبيعة الحال القرار 242 الذي صدر في نوفمبر من العام نفسه، ولكن ليقبلوا به مرجعاً لتسوية القضية مع إسرائيل بعد خمسة وثلاثين عاماً في قمة بيروت عام 2002، إحدى أهم القمم العربية، والتي تبنت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بشأن التطبيع مع إسرائيل، علماً بأنه مع مرور الزمن تبدلت الوقائع على الأرض بشكل كبير، ولم يتبق من الأراضي الفلسطينية إلا الجزء اليسير للتفاوض حوله. 
من المعروف والمثبت دولياً وتاريخياً، أن سياسات الإمارات معلنة ومواقفها ثابتة وشجاعة وعروبتها أصيلة، وهي ليست بحاجة للدفاع عن مواقفها؛ لأنها دولة حرة وسيدة ومستقلة في قرارها، وهي تساند الحق، وتقف في وجه الباطل بكل أشكاله وصوره.
نجحت الإمارات في استصدار موافقة من إسرائيل بوقف ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية مقابل السلام، ويبقى للقيادة الفلسطينية والدول العربية أن تستثمر في هذا الإنجاز قبل أن يفوت القطار، كما فات في كل المرات السابقة.
تأتي مبادرة الإمارات للسلام مع إسرائيل اليوم، لتنقذ ما تبقى من أمل في تحقيق السلام على أساس حل الدولتين، فالأمر يحتاج إلى مفاوضات مباشرة، وإلى كثير من الحكمة والقلوب الصادقة، بينما تم وقف ضم الأراضي، ريثما تتحقق الأماني. 
لقد ظلت الإمارات تدعم القضية الفلسطينية منذ عام 1967، بكل ما أوتيت من قوة، في جميع المحافل الدولية، سواء بالسياسة، أو بالمال وبالجهد الإنساني. واحتضنت الشعب الفلسطيني بشتى الأشكال والوسائل، ولم تتخلف يوماً عن أداء واجبها القومي تجاه كافة القضايا العربية، وبقيت الإمارات دوماً في الصف العربي وداعمة للقضية الفلسطينية، وهي تهدف اليوم إلى تحقيق ما لم تستطع أن تحققه القيادة الفلسطينية على مدى عشرات السنين، فالإمارات بمبادرتها اليوم، قادرة على أن تغير قواعد وشروط اللعبة في منطقة الشرق الأوسط على أسس من الندية في علاقاتها بإسرائيل وأميركا، وهي تفاوض من منطلق قوة، وليس من موقف ضعف، وتهدف إلى تحقيق المصالح المشتركة لجميع الأطراف، وإرساء السلام والاستقرار في المنطقة التي عانت من ويلات الحروب لسنين طويلة، علما بأنه لا بد للعرب من الاستثمار في السلام، وأن يصبحوا يداً واحدةً مؤازرين للقضية الفلسطينية، وقادرين على تحقيق أفضل المكاسب الممكنة.
*سفير ودبلوماسي سابق